للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّبَّاغِ، وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ طُولَى فِي فُنُونٍ كَثِيرَةٍ، وَصَنَّفَ التَّفْسِيرَ وَكِتَابَ الِانْتِصَارِ فِي الْحَدِيثِ، والبرهان والقواطع فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَالِاصْطِلَامَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَوَعَظَ فِي مَدِينَةِ نَيْسَابُورَ، وَكَانَ يَقُولُ:

مَا حَفِظْتُ شَيْئًا فَنَسِيتُهُ، وَسُئِلَ عَنْ أَخْبَارِ الصِّفَاتِ فَقَالَ: عليكم بدين العجائز وصبيان الكتاتيب، وَسُئِلَ عَنِ الِاسْتِوَاءِ فَقَالَ:

جِئْتُمَانِي لِتَعْلَمَا سِرَّ سُعْدَى ... تَجِدَانِي بِسِرِّ سُعْدَى شَحِيحَا

إِنَّ سُعْدَى لَمُنْيَةُ الْمُتَمَنِّي ... جَمَعَتْ عِفَّةً وَوَجْهًا صَبِيحَا

تُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ مَرْوَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّانَا آمين.

[ثم دخلت سنة تسعين وأربعمائة من الهجرة]

فِيهَا كَانَ ابْتِدَاءُ مُلْكِ الْخُوَارَزْمِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ السلطان بركيارق مَلَكَ فِيهَا بِلَادَ خُرَاسَانَ بَعْدَ مَقْتَلِ عَمِّهِ أَرْسَلَانَ أَرْغُونَ بْنِ أَلْبِ أَرْسَلَانَ وَسَلَّمَهَا إِلَى أخيه الْمَعْرُوفِ بِالْمَلِكِ سَنْجَرَ، وَجَعَلَ أَتَابِكَهُ الْأَمِيرَ قُمَاجَ، ووزيره أبو الفتح على بن الحسين الطغرانى، واستعمل على خراسان الأمير حبشي بن البرشاق، فَوَلَّى مَدِينَةَ خُوَارِزْمَ شَابًّا يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بن أنوشتكين، وكان أبوه من أمراء السلاجقة، وَنَشَأَ هُوَ فِي أَدَبٍ وَفَضِيلَةٍ وَحُسْنِ سِيرَةٍ، وَلَمَّا وَلِيَ مَدِينَةَ خُوَارِزْمَ لُقِّبَ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَكَانَ أَوَّلَ مُلُوكِهِمْ، فَأَحْسَنَ السِّيرَةَ وَعَامَلَ النَّاسَ بالجميل، وكذلك ولده من بعده اتشنر جرى على سيرة أَبِيهِ، وَأَظْهَرَ الْعَدْلَ، فَحَظِيَ عِنْدَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ وَأَحَبَّهُ النَّاسُ، وَارْتَفَعَتْ مَنْزِلَتُهُ. وَفِيهَا خَطَبَ الْمَلِكُ رضوان ابن تَاجِ الْمُلْكِ تُتُشَ لِلْخَلِيفَةِ الْفَاطِمِيِّ الْمُسْتَعْلِي، وَفِي شَوَّالٍ قُتِلَ رَجُلٌ بَاطِنِيٌّ عِنْدَ بَابِ النُّوبِيِّ كَانَ قَدْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلَانِ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ دَعَاهُمَا إِلَى مَذْهَبِهِ فَجَعَلَ يَقُولُ أَتَقْتُلُونَنِي وَأَنَا أَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) ٤٠: ٨٤ الآية وما بعدها، وفي رمضان منها قتل برشو أَحَدُ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تُوَلَّى شحنة بغداد. وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا خُمَارْتِكِينُ الْحَسْنَانِيُّ، وَفِي يَوْمِ عاشوراء كبست دار بهاء الدولة أبو نصر بن جلال الدولة أبى طاهر ابن بُوَيْهِ لِأُمُورٍ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي فَأُرِيقَ دَمُهُ وَنُقِضَتْ دَارُهُ وَعُمِلَ مَكَانَهَا مَسْجِدَانِ لِلْحَنَفِيَّةِ والشافعية، وقد كان السلطان ملك شاه قد أقطعه المدائن ودير عاقول وغيرهما.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ

أَحْمَدُ بْنُ محمد بن الحسن

ابن عَلِيِّ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ دِينَارٍ، أَبُو يَعْلَى الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الصَّوَّافِ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ زَاهِدًا مُتَصَوِّفًا، وَفَقِيهًا مُدَرِّسًا، ذَا سَمْتٍ وَوَقَارٍ، وَسَكِينَةٍ وَدِينٍ، وَكَانَ عَلَّامَةً فِي عَشَرَةِ عُلُومٍ، تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ مِنْهَا عَنْ تِسْعِينَ سَنَةً رَحِمَهُ اللَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>