للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ، وَكَانَتْ قَدْ عَتُقَتْ، فَإِنَّهَا مِنْ سَنَةِ أَرْبَعِينَ لَمْ تُجَدَّدْ لِعَدَمِ الْحَجِّ فِي تِلْكَ السِّنِينَ مِنْ نَاحِيَةِ الْخَلِيفَةِ، فَمَا سَكَنَتِ الريح إلا والكعبة عريانة قد زَالَ عَنْهَا شِعَارُ السَّوَادِ، وَكَانَ هَذَا فَأْلًا عَلَى زَوَالِ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَمُنْذِرًا بِمَا سَيَقَعُ بَعْدَ هَذَا مِنْ كَائِنَةِ التَّتَارِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. فَاسْتَأْذَنَ نَائِبُ الْيَمَنِ عُمَرُ بْنُ سول شيخ الحرم العفيف بْنَ مَنَعَةَ فِي أَنْ يَكْسُوَ الْكَعْبَةَ، فَقَالَ لَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا مِنْ مَالِ الْخَلِيفَةِ، ولم يكن عنده مال فافترض ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ وَاشْتَرَى ثِيَابَ قُطْنٍ وَصَبَغَهَا سَوَادًا وركب عليها طرازاتها العتيقة وكسى بِهَا الْكَعْبَةَ وَمَكَثَتِ الْكَعْبَةُ لَيْسَ عَلَيْهَا كُسْوَةٌ إِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. وَفِيهَا فُتِحَتْ دَارُ الْكُتُبِ الَّتِي أَنْشَأَهَا الْوَزِيرُ مُؤَيِّدُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد العلقميّ بدار الوزارة، وكانت فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ، وَوُضِعَ فِيهَا مِنَ الْكُتُبِ النفيسة والنافعة شيء كثير، وامتدحها الشعراء بأبيات وقصائد حسانا وَفِي أَوَاخِرِ ذِي الْحِجَّةِ طَهَّرَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَعْصِمُ باللَّه وَلَدَيْهِ الْأَمِيرَيْنِ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ، وَأَبَا الفضائل عبد الرحمن، وعملت ولائم فيها كل أفراح وَمَسَرَّةٌ، لَا يُسْمَعُ بِمِثْلِهَا مِنْ أَزْمَانٍ مُتَطَاوِلَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ وَدَاعًا لِمَسَرَّاتِ بَغْدَادَ وَأَهْلِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ.

وَفِيهَا احْتَاطَ النَّاصِرُ دَاوُدُ صَاحِبُ الْكَرَكِ عَلَى الْأَمِيرِ عِمَادِ الدِّينِ دَاوُدَ بْنِ موسك بن حسكو، وكان من خيار الأمراء الأجواد، وَاصْطَفَى أَمْوَالَهُ كُلَّهَا وَسَجَنَهُ عِنْدَهُ فِي الْكَرَكِ، فشفع فيه فخر الدين ابن الشَّيْخِ لَمَّا كَانَ مُحَاصِرَهُ فِي الْكَرَكِ فَأَطْلَقَهُ، فخرجت في حلقه جراحة فَبَطَّهَا فَمَاتَ وَدُفِنَ عِنْدَ قَبْرِ جَعْفَرٍ وَالشُّهَدَاءِ بحوته رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ مَلِكُ الْخُوَارَزْمِيَّةِ قَبْلًا بَرَكَاتُ خَانَ لَمَّا كُسِرَتْ أَصْحَابُهُ عِنْدَ بُحَيْرَةِ حِمْصَ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ

وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ

نَاصِرُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَلِكِ الْمُجَاهِدِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرْكُوهْ صَاحِبُ حِمْصَ بِدِمَشْقَ، بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ بَعْلَبَكَّ لِلصَّالِحِ أَيُّوبَ، وَنُقِلَ إِلَى حِمْصَ، وَكَانَ نُزُولُهُ أَوَّلًا بِبُسْتَانِ سَامَةَ، فَلَمَّا مَرِضَ حُمِلَ إِلَى الدَّهْشَةِ بُسْتَانِ الْأَشْرَفِ بِالنَّيْرَبِ فَمَاتَ فِيهِ.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ. الصَّائِنُ مُحَمَّدُ بن حسان

ابن رَافِعٍ الْعَامِرِيُّ الْخَطِيبُ، وَكَانَ كَثِيرَ السَّمَاعِ مُسْنِدًا، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِقَصْرِ حَجَّاجٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْفَقِيهُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بن عبد المنعم

المرامى الْحَنْبَلِيُّ وَكَانَ فَاضِلًا ذَا فُنُونٍ، أَثْنَى عَلَيْهِ أبو شامة. قال: صَحِبْتُهُ قَدِيمًا وَلَمْ يَتْرُكْ بَعْدَهُ بِدِمَشْقَ مِثْلَهُ فِي الْحَنَابِلَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَالضِّيَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الغمارى

الْمَالِكِيُّ الَّذِي وَلِيَ وَظَائِفَ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو ابن الْحَاجِبِ حِينَ خَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ سَنَةَ ثَمَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>