سلم الخاسر إذا ركب إلى دار الخلافة يأتى على برذون وعليه حلة تساوى ألف دينار، والطيب ينفخ من ثيابه، ويأتى هو في شر حالة وأسوئها. وخرج يوما إلى المهدي فقالت امرأة من أهله: إن أطلق لك الخليفة شيئا فاجعل لي منه شيئا. فقال: إن أعطانى مائة ألف درهم فلك درهم. فأعطاه ستين ألفا فأعطاها أربعة دوانيق. توفى ببغداد في هذه السنة، ودفن في مقبرة نصر بن مالك.
[والقاضي أبو يوسف]
واسمه يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حسنة، وهي أمه، وأبوه بجير بن معاوية، استصغر يوم أحد، وأبو يوسف كان أكبر أصحاب أبى حنيفة، روى الحديث عن الأعمش وهمام ابن عروة ومحمد بن إسحاق ويحيى بن سعيد وغيرهم. وعنه محمد بن الحسن وأحمد بن حنبل ويحيى ابن معين. قال على بن الجعد: سمعته يقول: توفى أبى وأنا صغير فأسلمتني أمى إلى قصار فكنت أمر على حلقة أبى حنيفة فأجلس فيها، فكانت أمى تتبعني فتأخذ بيدي من الحلقة وتذهب بى إلى القصار، ثم كنت أخالفها في ذلك وأذهب إلى أبى حنيفة، فلما طال ذلك عليها قالت لأبى حنيفة:
إن هذا صبي يتيم ليس له شيء إلا ما أطعمه من مغزلى، وإنك قد أفسدته على. فقال لها: اسكتي يا رعناء، ها هو ذا يتعلم العلم وسيأكل الفالوذج بدهن الفستق في صحون الفيروزج. فقالت له: إنك شيخ قد خرفت. قال أبو يوسف: فلما وليت القضاء - وكان أول من ولاه القضاء الهادي وهو أول من لقب قاضى القضاة، وكان يقال له: قاضى قضاة الدنيا، لأنه كان يستنيب في سائر الأقاليم التي يحكم فيها الخليفة -. قال أبو يوسف: فبينا أنا ذات يوم عند الرشيد إذ أتي بفالوذج في صحن فيروزج فقال لي: كل من هذا، فإنه لا يصنع لنا في كل وقت. وقلت: وما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذا الفالوذج. قال فتبسمت فقال: ما لك تتبسم؟ فقلت: لا شيء أبقى الله أمير المؤمنين.
فقال: لتخبرني. فقصصت عليه القصة فقال: إن العلم ينفع ويرفع في الدنيا والآخرة. ثم قال:
رحم الله أبا حنيفة، فلقد كان ينظر بعين عقله ما لا ينظر بعين رأسه. وكان أبو حنيفة يقول عن أبى يوسف: إنه أعلم أصحابه. وقال المزني: كان أبو يوسف أتبعهم للحديث. وقال ابن المديني: كان صدوقا. وقال ابن معين: كان ثقة. وقال أبو زرعة: كان سليما من التجهم. وقال بشار الخفاف: سمعت أبا يوسف يقول: من قال القرآن مخلوق فحرام كلامه، وفرض مباينته، ولا يجوز السلام ولا رده عليه. ومن كلامه الّذي ينبغي كتابته بماء الذهب قوله: من طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن تتبع غرائب الحديث كذب، ومن طلب العلم بالكلام تزندق. ولما تناظر هو ومالك بالمدينة بحضرة الرشيد في مسألة الصاع وزكاة الخضراوات احتج مالك بما استدعى به من تلك الصيعان المنقولة عن آبائهم وأسلافهم، وبأنه لم يكن الخضراوات يخرج فيها شيء في زمن الخلفاء الراشدين. فقال