مسعود صعد شجرة يجتنى الكباث فجعل الناس يعجبون من دقة ساقيه، فقال رسول الله ﷺ«والّذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد» وقال عمر بن الخطاب ﵁ وقد نظر إلى قصره وكان يوازى بقامته الجلوس - فجعل يتبعه بصره ثم قال هو كنيف مليء علما. وقد شهد ابن مسعود بعد النبي ﷺ مواقف كثيرة، منها اليرموك وغيرها، وكان قدم من العراق حاجا فمر بالربذة فشهد وفاة أبى ذر ودفنه، ثم قدم إلى المدينة فمرض بها فجاءه عثمان بن عفان عائدا، فيروي أنه قال له: ما تشتكي؟ قال ذنوبي، قال فما تشتهي؟ قال رحمة ربى، قال ألا آمر لك بطبيب؟ فقال: الطبيب أمرضنى، قال ألا آمر لك بعطائك؟ - وكان قد تركه سنتين - فقال: لا حاجة لي فيه. فقال: يكون لبناتك من بعدك، فقال أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرت بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة،
وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول «من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا» وأوصى عبد الله بن مسعود إلى الزبير بن العوام، فيقال إنه هو الّذي صلى عليه ليلا، ثم عاتب عثمان الزبير على ذلك، وقيل بل صلى عليه عثمان، وقيل عمار، فالله أعلم. ودفن بالبقيع عن بضع وستين سنة.
[عبد الرحمن بن عوف]
ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة، أبو محمد القرشي الزهري، أسلم قديما على يدي أبى بكر، وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة، وآخى رسول الله ﷺ بينه وبين سعد ابن الربيع، وشهد بدرا وما بعدها، وأمره رسول الله ﷺ حين بعثه إلى بنى كلب وأرخى له عذبة بين كتفيه، لتكون أمارة عليه للامارة، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى، ثم أحد الثلاثة الذين انتهت إليهم منهم، كما ذكرنا.
ثم كان هو الّذي اجتهد في تقديم عثمان ﵁، وقد تقاول هو وخالد بن الوليد في بعض الغزوات فأغلظ له خالد في المقال،
فلما بلغ ذلك رسول الله ﷺ قال «لا تسبوا أصحابى فو الّذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» وهو في الصحيح. وقال معمر عن الزهري: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد النبي ﷺ بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفا ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة،
فأما الحديث الّذي قال عبد بن حميد في مسندة ثنا يحيى بن إسحاق ثنا عمارة بن زاذان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر آخى رسول الله ﷺ بينه وبين عثمان بن عفان فقال له إن لي حائطين فاختر أيهما شئت، فقال: بارك الله لك في حائطيك، ما لهذا أسلمت، دلني على السوق، قال فدله فكان يشترى السمنة والاقيطة والإهاب، فجمع فتزوج فأتى النبي ﷺ فقال «بارك الله لك