أتقن في شبيبته تلاوة القرآن حفظا وتجويدا، وأتقن العربية والخط الحسن وغير ذلك من الفضائل على الشيخ شمس الدين أبى المظفر على بن محمد بن النيار أحد أئمة الشافعية في زمانه، وقد أكرمه وأحسن إليه في خلافته، وكان المستعصم على ما ذكر كثير التلاوة حسن الأداء طيب الصوت، يظهر عليه خشوع وإنابة، وقد نظر في شيء من التفسير وحل المشكلات، وكان مشهورا بالخير مشكورا مقتديا بأبيه المستنصر جهده وطاقته، وقد مشت الأمور في أيامه على السداد والاستقامة بحمد الله، وكان القائم بهذه البيعة المستعصمية شرف الدين أبو الفضائل إقبال المستنصري، فبايعه أولا بنو عمه وأهله من بنى العباس، ثم أعيان الدولة من الأمراء والوزراء والقضاة والعلماء والفقهاء ومن بعدهم من أولى الحل والعقد والعامة وغيرهم، وكان يوما مشهودا ومجمعا محمودا ورأيا سعيدا، وأمرا حميدا، وجاءت البيعة من سائر الجهات والأقطار والبلدان والأمصار، وخطب له في سائر البلدان، والأقاليم والرساتيق، وعلى سائر المنابر شرقا وغربا، بعدا وقربا، كما كان أبوه وأجداده، ﵏ أجمعين.
وفيها وقع من الحوادث أنه كان بالعراق وباء شديد في آخر أيام المستنصر وغلا السكر والأدوية فتصدق الخليفة المستنصر بالله ﵀ بسكر كثير على المرضى، تقبل الله منه. وفي يوم الجمعة رابع عشر شعبان أذن الخليفة المستعصم بالله لأبى الفرج عبد الرحمن بن محيي الدين يوسف ابن الشيخ أبى الفرج بن الجوزي - وكان شابا ظريفا فاضلا - في الوعظ بباب البدرية، فتكلم وأجاد وأفاد وامتدح الخليفة المستعصم بقصيدة طويلة فصيحة، سردها ابن الساعي بكمالها، ومن يشابه أباه فما ظلم، والشبل في المخبر مثل الأسد. وفيها كانت وقعة عظيمة بين الحلبيين وبين الخوارزمية، ومع الخوارزمية شهاب الدين غازى صاحب ميافارقين، فكسرهم الحلبيون كسرة عظيمة منكرة، وغنموا من أموالهم شيئا كثيرا جدا، ونهبت نصيبين مرة أخرى، وهذه سابع عشر مرة نهبت في هذه السنين، فانا لله وإنا إليه راجعون. وعاد الغازي إلى ميافارقين وتفرقت الخوارزمية يفسدون في الأرض صحبة مقدمهم بركات خان، لا بارك الله فيه، وقدم على الشهاب غازى منشور بمدينة خلاط فتسلمها وما فيها من الحواصل. وفيها عزم الصالح أيوب صاحب مصر على دخول الشام فقيل له إن العساكر مختلفة فجهز عسكرا إليها وأقام هو بمصر يدير مملكتها.
[وممن توفى فيها من الأعيان.]
[المستنصر بالله]
أمير المؤمنين كما تقدم. والحرمة المصونة الجليلة.
[خاتون بنت عز الدين مسعود]
ابن مودود بن زنكي بن آقسنقر الاتابكية واقفة المدرسة الأتابكية بالصالحية، وكانت زوجة