للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهم أهل أرضهم، فمانعوا خالدا أن يصل إلى الخندق فضرب معهم رأسا، ولما تواجه الفريقان أمر خالد أصحابه فرشقوهم بالنبال حتى فقئوا منهم ألف عين، فتصايح الناس: ذهبت عيون أهل الأنبار، وسميت هذه الغزوة ذات العيون، فراسل شيرزاذ خالدا في الصلح، فاشترط خالد أمورا امتنع شيرزاذ من قبولها، فتقدم خالد إلى الخندق فاستدعى برذايا الأموال من الإبل فذبحها حتى ردم الخندق بها وجاز هو وأصحابه فوقها، فلما رأى شيرزاذ ذلك أجاب إلى الصلح على الشروط التي اشترطها خالد، وسأله أن يرده إلى مأمنه فوفى له خالد بذلك، وخرج شيرزاذ من الأنبار وتسلمها خالد، فنزلها واطمأن بها، وتعلم الصحابة ممن بها من العرب الكتابة العربية، وكان أولئك العرب قد تعلموها من عرب قبلهم وهم بنو إياد، كانوا بها في زمان بخت نصّر حين أباح العراق للعرب، وأنشدوا خالدا قول بعض إياد يمتدح قومه:

قومي إياد لو أنهم أمم … ولو أقاموا فتهزل النعم

قوم لهم باحة العراق إذا … ساروا جميعا واللوح والقلم

ثم صالح خالد أهل البوازيج وكلواذى، قال: ثم نقض أهل الأنبار ومن حولهم عهدهم لما اضطربت بعض الأحوال، ولم يبق على عهده سوى البوازيج وبانقيا. قال سيف عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبى ثابت قال: ليس لأحد من أهل السواد عهد قبل الوقعة، الا بنو صلوبا وهم أهل الحيرة وكلواذى وقرى من قرى الفرات، غدروا حتى دعوا إلى الذمة بعد ما غدروا. وقال سيف عن محمد بن قيس: قلت للشعبى: أخذ السواد عنوة وكل أرض الا بعض القلاع والحصون؟ قال: بعض صالح وبعض غالب. قلت: فهل لأهل السواد ذمة اعتقدوها قبل الحرب؟ قال: لا، ولكنهم لما دعوا ورضوا بالخراج وأخذ منهم صاروا ذمة.

[وقعة عين التمر]

لما استقل خالد بالأنبار استناب عليها الزبرقان بن بدر، وقصد عين التمر وبها يومئذ مهران بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العرب، وحولهم من الأعراب طوائف من النمر وتغلب وإياد ومن لاقاهم وعليهم عقّة بن أبى عقّة، فلما دنا خالد قال عقة لمهران: إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالدا، فقال له: دونكم وإياهم، وإن احتجتم إلينا أعناكم، فلامت العجم أميرهم على هذا، فقال:

دعوهم فأن غلبوا خالدا فهو لكم، وإن غلبوا قاتلنا خالدا وقد ضعفوا ونحن أقوياء، فاعترفوا له بفضل الرأى عليهم، وسار خالد وتلقاه عقة فلما تواجهوا قال خالد لمجنبتيه: احفظوا مكانكم فأنى حامل، وأمر حماته أن يكونوا من ورائه، وحمل على عقة وهو يسوى الصفوف فاحتضنه وأسره وانهزم جيش عقة من غير قتال فأكثروا فيهم الأسر، وقصد خالد حصن عين التمر، فلما بلغ مهران هزيمة

<<  <  ج: ص:  >  >>