وَمَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا وَأَيَّامِ الرِّدَّةِ:
سَقَى اللَّهُ قَتْلَى بِالْفُرَاتِ مُقِيمَةً ... وَأُخْرَى بِأَثْبَاجِ النِّجَافِ الْكَوَانِفِ
وَنَحْنُ وَطِئْنَا بِالْكَوَاظِمِ هُرْمُزًا ... وَبِالثِّنْيِ قَرْنَيْ قَارَنٍ بَالْجَوَارِفِ
وَيَوْمَ أَحَطْنَا بِالْقُصُورِ تَتَابَعَتْ ... عَلَى الْحِيرَةِ الرَّوْحَاءُ إِحْدَى الْمَصَارِفِ
حَطَطْنَاهُمُ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ عَرْشُهُمْ ... يَمِيلُ بِهِمْ فِعْلَ الْجَبَانِ الْمُخَالِفِ
رَمَيْنَا عَلَيْهِمْ بِالْقَبُولِ وَقَدْ رَأَوْا ... غَبُوقَ الْمَنَايَا حَوْلَ تِلْكَ الْمَحَارِفِ
صَبِيحَةَ قَالُوا نَحْنُ قَوْمٌ تَنَزَّلُوا ... إِلَى الرِّيفِ مِنْ أَرْضِ الْعُرَيْبِ الْمَقَانِفِ
وَقَدْ قَدِمَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَهُوَ بِالْحِيرَةِ بَعْدَ الْوَقَعَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَالْغَنَائِمِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَلَمْ يَحْضُرْ شَيْئًا مِنْهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ بَعَثَهُ الصِّدِّيقُ مَعَ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَأْذَنَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الصِّدِّيقِ لِيَجْمَعَ لَهُ قَوْمَهُ مِنْ بَجِيلَةَ فَيَكُونُوا مَعَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى الصِّدِّيقِ فَسَأَلَهُ ذَلِكَ غَضِبَ الصِّدِّيقُ وَقَالَ: أَتَيْتَنِي لِتَشْغَلَنِي عَمَّا هُوَ أَرْضَى للَّه مِنَ الَّذِي تَدْعُونِي إِلَيْهِ، ثُمَّ سَيَّرَهُ الصِّدِّيقُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِالْعِرَاقِ قَالَ سَيْفٌ بِأَسَانِيدِهِ: ثُمَّ جَاءَ ابْنُ صَلُوبَا فَصَالَحَ خَالِدًا عَلَى بَانِقْيَا وبسما وَمَا حَوْلَ ذَلِكَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَجَاءَهُ دَهَاقِينُ تِلْكَ الْبِلَادِ فَصَالَحُوهُ عَلَى بُلْدَانِهِمْ وأهاليهم كما صالح أهل الْحِيرَةِ، وَاتَّفَقَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ قَدْ تَمَكَّنَ بِأَطْرَافِ الْعِرَاقِ وَاسْتَحْوَذَ عَلَى الْحِيرَةِ وَتِلْكَ الْبُلْدَانِ وَأَوْقَعَ بِأَهْلِ أُلَّيْسٍ وَالثِّنْيِ وَمَا بعدها بفارس ومن ناشب مَعَهُمْ مَا أَوْقَعَ مِنَ الْقَتْلِ الْفَظِيعِ فِي فُرْسَانِهِمْ، أَنْ عَدَتْ فَارِسُ عَلَى مَلِكِهِمُ الْأَكْبَرِ أردشير وابنه شيرين فقتلوهما وقتلوا كل من ينسب إليهما، وبقيت الفرس حائرين فيمن يولوه أَمْرَهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ جَهَّزُوا جُيُوشًا تَكُونُ حَائِلَةً بَيْنَ خَالِدٍ وَبَيْنَ الْمَدَائِنِ الَّتِي فِيهَا إِيوَانُ كِسْرَى وَسَرِيرُ مَمْلَكَتِهِ، فَحِينَئِذٍ كَتَبَ خَالِدٌ إِلَى مَنْ هُنَالِكَ مِنَ المرازبة والأمراء والدولة يدعوهم إلى الله وإلى الدخول إلى دِينِ الْإِسْلَامِ لِيَثْبُتَ مُلْكُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلْيَدْفَعُوا الْجِزْيَةَ وَإِلَّا فَلْيَعْلَمُوا وَلْيَسْتَعِدُّوا لِقُدُومِهِ عَلَيْهِمْ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا يُحِبُّونَ هُمُ الْحَيَاةَ، فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ جُرْأَةِ خَالِدٍ وَشَجَاعَتِهِ، وَيَسْخَرُونَ مِنْ ذلك لحماقتهم ورعونتهم فِي أَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ أَقَامَ خَالِدٌ هُنَالِكَ بَعْدَ صُلْحِ الْحِيرَةِ سَنَةً يَتَرَدَّدُ فِي بِلَادِ فَارِسَ ها هنا وهاهنا، وَيُوقِعُ بِأَهْلِهَا مِنَ الْبَأْسِ الشَّدِيدِ، وَالسَّطْوَةِ الْبَاهِرَةِ، مَا يُبْهِرُ الْأَبْصَارَ لِمَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ وَيُشَنِّفُ أَسْمَاعَ مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ وَيُحَيِّرُ الْعُقُولَ لِمَنْ تدبره.
فَتْحُ خَالِدٍ لِلْأَنْبَارِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْغَزْوَةُ ذَاتَ الْعُيُونِ
رَكِبَ خَالِدٌ فِي جُيُوشِهِ فَسَارَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْأَنْبَارِ وَعَلَيْهَا رَجُلٌ مِنْ أَعْقَلِ الْفُرْسِ وَأَسْوَدِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، يُقَالُ لَهُ شِيرْزَاذُ، فَأَحَاطَ بِهَا خَالِدٌ وَعَلَيْهَا خَنْدَقٌ وَحَوْلَهُ أَعْرَابٌ مِنْ قَوْمِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَاجْتَمَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute