الحاجب: الحقه فاسأله لم كره لبس السواد؟ ولا تعلمه أنى قلت لك. فسأله الربيع فقال: لأني لم أر محرما أحرم فيه، ولا ميتا كفن فيه، ولا عروسا جليت فيه، فلهذا أكرهه. وقد كان الأوزاعي في الشام معظما مكرما أمره أعز عندهم من أمر السلطان، وقد هم به بعض الولاة مرة فقال له أصحابه:
دعه عنك والله لو أمر أهل الشام أن يقتلوك لقتلوك. ولما مات جلس على قبره بعض الولاة فقال: رحمك الله، فو الله لقد كنت أخاف منك أكثر مما أخاف من الّذي ولانى - يعنى المنصور - وقال ابن أبى العشرين: ما مات الأوزاعي حتى جلس وحده وسمع شتمه بأذنه.
وقال أبو بكر بن أبى خيثمة: حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي قال: كنت جالسا عند الثوري فجاءه رجل فقال: رأيت كأن ريحانة من المغرب - يعنى قلعت -. قال: إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي. فكتبوا ذلك فجاء موت الأوزاعي في ذلك اليوم. وقال أبو مسهر: بلغنا أن سبب موته أن امرأته أغلقت عليه باب حمام فمات فيه، ولم تكن عامدة ذلك، فأمرها سعيد بن عبد العزيز بعتق رقبة. قال: وما خلف ذهبا ولا فضة ولا عقارا، ولا متاعا إلا ستة وثمانين، فضلت من عطائه. وكان قد اكتتب في ديوان الساحل. وقال غيره: كان الّذي أغلق عليه باب الحمام صاحب الحمام، أغلقه وذهب لحاجة له ثم جاء ففتح الحمام فوجده ميتا قد وضع يده اليمنى تحت خده وهو مستقبل القبلة ﵀.
قلت: لا خلاف أنه مات ببيروت مرابطا، واختلفوا في سنة ووفاته، فروى يعقوب بن سفيان عن سلمة قال قال أحمد: رأيت الأوزاعي وتوفى سنة خمسين ومائة. قال العباس بن الوليد البيروتي: توفى يوم الأحد أول النهار لليلتين بقيتا من صفر سنة سبع وخمسين ومائة، وهو الّذي عليه الجمهور وهو الصحيح، وهو قول أبى مسهر وهشام بن عمار والوليد بن مسلم - في أصح الروايات عنه - ويحيى بن معين ودحيم وخليفة بن خياط وأبى عبيد وسعيد بن عبد العزيز وغير واحد. قال العباس بن الوليد: ولم يبلغ سبعين سنة. وقال غيره: جاوز السبعين، والصحيح سبع وستون سنة، لأن ميلاده في سنة ثمان وثمانين على الصحيح. وقيل إنه ولد سنة ثلاث وسبعين، وهذا ضعيف. وقد رآه بعضهم في المنام فقال له: دلني على عمل يقر بنى إلى الله. فقال: ما رأيت في الجنة درجة أعلا من درجة العلماء العاملين، ثم المحزونين.
[ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائة]
فيها تكامل بناء قصر المنصور المسمى بالخلد وسكنه أياما يسيرة ثم مات وتركه، وفيها مات طاغية الروم. وفيها وجه المنصور ابنه المهدي إلى الرقة وأمره بعزل موسى بن كعب عن الموصل، وأن يولى عليها خالد بن برمك، وكان ذلك بعد نكتة غريبة اتفقت ليحيى بن خالد، وذلك أن