للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي دَارِ شَبَثِ بْنِ رِبْعِيٍّ وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُخْتَارِ، ثُمَّ وَثَبُوا فَرَكِبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ مَعَ أَمِيرِهَا فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْكُوفَةِ، وَقَصَدُوا قَصْرَ الْإِمَارَةِ، وَبَعَثَ الْمُخْتَارُ عَمْرَو بن ثوبة بَرِيدًا إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ سَرِيعًا وَبَعَثَ الْمُخْتَارُ إِلَى أُولَئِكَ يَقُولُ لَهُمْ: مَاذَا تَنْقِمُونَ؟ فَإِنِّي أُجِيبُكُمْ إِلَى جَمِيعِ مَا تَطْلُبُونَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُثَبِّطَهُمْ عَنْ مُنَاهَضَتِهِ حَتَّى يَقْدَمَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ، وَقَالَ: إِنْ كنتم لا تصدقونني في أمر محمد بن الْحَنَفِيَّةِ فَابْعَثُوا مِنْ جِهَتِكُمْ وَأَبْعَثُ مِنْ جِهَتِي مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزَلْ يُطَاوِلُهُمْ حتى قدم ابن الْأَشْتَرِ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَانْقَسَمَ هُوَ وَالنَّاسُ فِرْقَتَيْنِ، فتكفل المختار بأهل اليمن، وتكفل ابن الْأَشْتَرِ بِمُضَرَ وَعَلَيْهِمْ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَكَانَ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ الْمُخْتَارِ، حَتَّى لَا يَتَوَلَّى ابْنُ الأشتر بقتال قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَيَحْنُوَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ الْمُخْتَارُ شَدِيدًا عَلَيْهِمْ.

ثُمَّ اقْتَتَلَ النَّاسُ فِي نَوَاحِي الْكُوفَةِ قِتَالًا عَظِيمًا وَكَثُرَتِ الْقَتْلَى بَيْنَهُمْ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَجَرَتْ فُصُولٌ وَأَحْوَالٌ حَرْبِيَّةٌ يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَشْرَافِ، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ، وَسَبْعُمِائَةٍ وثمانين رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ، وَقُتِلَ مِنْ مُضَرَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَيُعَرَفُ هَذَا الْيَوْمُ بِجَبَّانَةِ السَّبِيعِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ، ثُمَّ كَانَتِ النُّصْرَةُ لِلْمُخْتَارِ عَلَيْهِمْ، وَأَسَرَ مِنْهُمْ خَمْسَمِائَةِ أَسِيرٍ، فعرضوا عليه فَقَالَ: انْظُرُوا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ شَهِدَ مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ فَاقْتُلُوهُ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَقَتَلَ أَصْحَابُهُ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُؤْذِيهِمْ وَيُسِيءُ إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُخْتَارِ، ثُمَّ أَطْلَقَ الْبَاقِينَ، وَهَرَبَ عَمْرُو بْنُ الْحَجَّاجِ الزُّبِيدِيُّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ قَتْلَ الْحُسَيْنِ فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ مِنَ الْأَرْضِ.

ذِكْرُ مَقْتَلِ شَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ. أَمِيرِ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَتْ حُسَيْنًا

وَهَرَبَ أَشْرَافُ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ مِمَّنْ هَرَبَ لِقَصْدِهِ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ قَبَّحَهُ اللَّهُ، فَبَعَثَ الْمُخْتَارُ فِي أثره غلاما له يقال له زرنب، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ شَمِرٌ لِأَصْحَابِهِ:

تَقَدَّمُوا وَذَرُونِي وَرَاءَكُمْ بِصِفَةِ أَنَّكُمْ قَدْ هَرَبْتُمْ وَتَرَكْتُمُونِي حَتَّى يَطْمَعَ فِيَّ هَذَا الْعِلْجُ، فَسَاقُوا وَتَأَخَّرَ شمر فأدركه زرنب فَعَطْفَ عَلَيْهِ شَمِرٌ فَدَقَّ ظَهْرَهُ فَقَتَلَهُ، وَسَارَ شَمِرٌ وَتَرْكَهُ، وَكَتَبَ كِتَابًا إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ بِالْبَصْرَةِ يُنْذِرُهُ بِقُدُومِهِ عَلَيْهِ، وَوِفَادَتِهِ إِلَيْهِ، وَكَانَ كُلُّ مَنْ فَرَّ مِنْ هَذِهِ الْوَقْعَةِ يَهْرُبُ إِلَى مُصْعَبٍ بِالْبَصْرَةِ، وَبَعَثَ شَمِرٌ الْكِتَابَ مَعَ عِلْجٍ مِنْ عُلُوجِ قَرْيَةٍ قَدْ نزل عندها يقال لها الكلبانية عِنْدَ نَهْرٍ إِلَى جَانِبِ تَلٍّ هُنَاكَ، فَذَهَبَ ذَلِكَ الْعِلْجُ فَلَقِيَهُ عِلْجٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ:

إِلَى مُصْعَبٍ. قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنْ شَمِرٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ مَعِي إِلَى سَيِّدِي، وَإِذَا سَيِّدُهُ أَبُو عَمْرَةَ أَمِيرُ حَرَسِ الْمُخْتَارِ، وَهُوَ قَدْ رَكِبَ فِي طَلَبِ شَمِرٍ، فَدَلَّهُ الْعِلْجُ عَلَى مَكَانِهِ فَقَصَدَهُ أَبُو عَمْرَةَ، وَقَدْ أَشَارَ أَصْحَابُ شَمِرٍ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا كُلُّهُ فَرَقٌ مِنَ الْكَذَّابِ، وَاللَّهِ لَا أَرْتَحِلُ من هاهنا

<<  <  ج: ص:  >  >>