للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى أَمْلَأَ قُلُوبَهُمْ رُعْبًا فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ كَابَسَهُمْ أَبُو عَمْرَةَ فِي الْخَيْلِ فَأَعْجَلَهُمْ أَنْ يَرْكَبُوا أَوْ يَلْبَسُوا أَسْلِحَتَهُمْ، وثار إليهم شمر وبن ذي الجوشن فطاعتهم بِرُمْحِهِ وَهُوَ عُرْيَانُ ثُمَّ دَخَلَ خَيْمَتَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا سَيْفًا وَهُوَ يَقُولُ: -

نَبَّهْتُمُ لَيْثَ عَرِينٍ بَاسِلَا ... جَهْمًا مُحَيَّاهُ يَدُقُّ الْكَاهِلَا

لَمْ يُرَ يوما عن عدو ناكلا ... إلا أكرّ مقاتلا أو قاتلا

يزعجهم ضَرْبًا وَيُرْوِي الْعَامِلَا

ثُمَّ مَا زَالَ يُنَاضِلُ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُهُ وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ صَوْتَ التَّكْبِيرِ وَقَوْلَ أَصْحَابِ الْمُخْتَارِ اللَّهُ أَكْبَرُ قُتِلَ الْخَبِيثُ عَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ قَبَّحَهُ اللَّهُ قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: وَلَمَّا خَرَجَ الْمُخْتَارُ مِنْ جَبَّانَةِ السَّبِيعِ وَأَقْبَلَ إِلَى الْقَصْرِ- يَعْنِي مُنْصَرَفَهُ مِنَ الْقِتَالِ- نَادَاهُ سُرَاقَةُ بْنُ مِرْدَاسٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَكَانَ فِي الْأَسْرَى

امْنُنْ عَلَيَّ الْيَوْمَ يَا خَيْرَ مَعَدْ ... وَخَيْرَ مَنْ حَلَّ بِشِحْرٍ وَالْجَنَدْ

وَخَيْرَ مَنْ لَبَّى وَصَامَ وسجد

قال: فبعث إِلَى السِّجْنِ فَاعْتَقَلَهُ لَيْلَةً ثُمَّ أَطْلَقُهُ مِنَ الْغَدِ، فَأَقْبَلَ إِلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ يَقُولُ

أَلَا أخبر أبا إسحاق أنا ... نز؟؟ نَزْوَةً كَانَتْ عَلَيْنَا

خَرَجْنَا لَا نَرَى الضُّعَفَاءَ شيئا ... وكان خروجنا بطرا وشينا

نراهم في مصافهم قليلا ... وهم مثل الربا حِينَ الْتَقَيْنَا

بَرَزْنَا إِذْ رَأَيْنَاهُمْ فَلَمَّا ... رَأَيْنَا الْقَوْمَ قَدْ بَرَزُوا إِلَيْنَا

رَأَيْنَا مِنْهُمُ ضَرْبًا وَطَحْنًا ... وَطَعْنًا صَائِبًا حَتَّى انْثَنَيْنَا

نُصِرْتَ عَلَى عدوك كل يوم ... بكل كثيبة تَنْعَى حُسَيْنَا

كَنَصْرِ مُحَمَّدٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ ... وَيَوْمَ الشِّعْبِ إِذْ لَاقَى حُنَيْنَا

فَأَسْجِحْ إِذْ مَلَكْتَ فَلَوْ مَلَكْنَا ... لَجُرْنَا فِي الْحُكُومَةِ وَاعْتَدَيْنَا

تقبل توبة متى فانى ... سأشكر إذ جعلت العفو دَيْنَا

وَجَعَلَ سُرَاقَةُ بْنُ مِرْدَاسٍ يَحْلِفُ أَنَّهُ رأى الملائكة عَلَى الْخُيُولِ الْبُلْقِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْسِرْهُ إِلَّا وَاحِدٌ مِنْ أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ، فَأَمَرَهُ الْمُخْتَارُ أَنْ يَصْعَدَ الْمِنْبَرَ فَيُخْبِرُ النَّاسَ بِذَلِكَ. فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَأَخْبَرَ النَّاسَ بِذَلِكَ، فَلَمَّا نَزَلَ خَلَا بِهِ الْمُخْتَارُ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّكَ لَمْ تَرَ الْمَلَائِكَةَ، وَإِنَّمَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ هَذَا أَنِّي لَا أَقْتُلُكَ، وَلَسْتُ أقتلك فاذهب حيث شئت لئلا تُفْسِدْ عَلَيَّ أَصْحَابِي، فَذَهَبَ سُرَاقَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَجَعَلَ يَقُولُ: -

أَلَا أخبر أَبَا إِسْحَاقَ أَنِّي ... رَأَيْتُ الْبُلْقَ دُهْمًا مُصْمِتَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>