شَرَفُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ بِفِسْقِهِ وَعَزْلِهِ وَسَجْنِهِ، فَانْفَضَّ الْمَجْلِسُ عَلَى ذَلِكَ، وَرُسِمَ عَلَى ابْنِ جُمْلَةَ بِالْعَذْرَاوِيَّةِ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْقَلْعَةِ جَزَاءً وِفَاقًا وَالْحَمْدُ للَّه وَحْدَهُ، وَكَانَ لَهُ فِي الْقَضَاءِ سَنَةٌ وَنِصْفٌ إِلَّا أَيَّامًا، وَكَانَ يُبَاشِرُ الْأَحْكَامَ جَيِّدًا، وَكَذَا الْأَوْقَافَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ، وَفِيهِ نَزَاهَةٌ وَتَمْيِيزُ الْأَوْقَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَفِيهِ صَرَامَةٌ وَشَهَامَةٌ وَإِقْدَامٌ، لَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، وَتَعَدَّى فِيهَا فَآلَ أَمْرُهُ إِلَى هَذَا.
وَخَرَجَ الركب يوم الاثنين عاشر شوال وأميره الجى بغا وقاضيه مجد الدين ابن حيان المصري وفي يوم الاثنين رابع عشرينه دَرَّسَ بِالْإِقْبَالِيَّةِ الْحَنَفِيَّةِ نَجْمُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ عِمَادِ الدِّينِ الطَّرَسُوسِيُّ الْحَنَفِيِّ عِوَضًا عَنْ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأصبهاني ابن الْعَجَمِيِّ الْحَبَطِيِّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الْحَنْبَلِيِّ، وَكَانَ فَاضِلًا دَيِّنًا مُتَقَشِّفًا كَثِيرَ الْوَسْوَسَةِ فِي الْمَاءِ جِدًّا، وَأَمَّا الْمُدَرِّسُ مَكَانَهُ وَهُوَ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ الْحَنَفِيِّ فَإِنَّهُ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ فِي النَّبَاهَةِ وَالْفَهْمِ، وَحُسْنِ الِاشْتِغَالِ وَالشَّكْلِ وَالْوَقَارِ، بِحَيْثُ غَبَطَ الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ أَبَاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا آلَ أَمْرُهُ أَنْ تَوَلَّى قَضَاءَ الْقُضَاةِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، نَزَلَ لَهُ عَنْهُ وَحُمِدَتْ سِيرَتُهُ وَأَحْكَامُهُ.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ أُثْبِتَ مَحْضَرٌ فِي حَقِّ الصَّاحِبِ شَمْسِ الدِّينِ غِبْرِيَالَ الْمُتَوَفَّى هَذِهِ السَّنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي أَمْلَاكًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيُوقِفُهَا وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ لِنَفْسِهِ، وَشَهِدَ بِذَلِكَ كَمَالُ الدِّينِ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ أَخِيهِ عِمَادُ الدِّينِ وَعَلَاءُ الدِّينِ الْقَلَانِسِيُّ وَابْنُ خاله عماد الدين القلانسي، وعز الدين ابن المنجا، وتقى الدين ابن مراجل، وكمال الدين بن الغويرة، وَأُثْبِتَ عَلَى الْقَاضِي بُرْهَانِ الدِّينِ الزُّرَعِيِّ الْحَنْبَلِيِّ وَنَفَّذَهُ بَقِيَّةُ الْقُضَاةِ، وَامْتَنَعَ الْمُحْتَسِبُ عِزُّ الدِّينِ ابن الْقَلَانِسِيِّ مِنَ الشَّهَادَةِ فَرُسِمَ عَلَيْهِ بِالْعَذْرَاوِيَّةِ قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ وَعُزِلَ عَنِ الْحِسْبَةِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى نَظَرِ الْخِزَانَةِ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ ثَامِنِ عِشْرِينَ ذِي الْقِعْدَةِ حُمِلَتْ خِلْعَةُ القضاء إلى الشيخ شهاب الدين ابن الْمَجْدِ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ يَوْمَئِذٍ، فَلَبِسَهَا وَرَكِبَ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ وَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ بِحَضْرَةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ وَالْقُضَاةِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَدْرَسَتِهِ الْإِقْبَالِيَّةِ فَقُرِئَ بِهَا أَيْضًا وَحَكَمَ بَيْنَ خَصْمَيْنِ، وَكَتَبَ على أوراق السائلين، ودرس بالعادلية والغزالية والاتابكيتين مع تدريس الاقبالية عِوَضًا عَنِ ابْنِ جُمْلَةَ. وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ حَضَرَ الْأَمِيرُ حُسَامُ الدِّينِ مُهَنَّا بْنُ عِيسَى وفي صحبته صاحب حماة الأفضل، فَتَلَقَّاهُمَا تَنْكِزُ وَأَكْرَمَهُمَا، وَصَلَّيَا الْجُمُعَةَ عِنْدَ النَّائِبِ ثُمَّ تَوَجَّهَا إِلَى مِصْرَ، فَتَلَقَّاهُمَا أَعْيَانُ الْأُمَرَاءِ وَأَكْرَمَ السُّلْطَانُ مُهَنَّا بْنَ عِيسَى وَأَطْلَقَ لَهُ أَمْوَالًا جَزِيلَةً كَثِيرَةً، مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْقُمَاشِ، وَأَقْطَعُهُ عِدَّةَ قُرَى وَرَسَمَ لَهُ بِالْعَوْدِ إِلَى أَهْلِهِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ، قَالُوا وَكَانَ جَمِيعُ ما أنعم به عليه السلطان قِيمَةَ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ وَعَلَى أصحابه مائة وسبعين خِلْعَةً.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ سَادِسِ الْحِجَّةِ حَضَرَ دَرْسَ الرَّوَاحِيَّةِ الْفَخْرُ الْمِصْرِيُّ عِوَضًا عَنْ قَاضِي القضاة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute