أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ فَتُّوحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ، الأندلسى، من جزيرة يقال لها برقة قَرِيبَةٍ مِنَ الْأَنْدَلُسِ، قَدِمَ بَغْدَادَ فَسَمِعَ بِهَا الحديث، وكان حافظا مكثرا أديبا ماهرا، عَفِيفًا نَزِهًا، وَهُوَ صَاحِبُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَلَهُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ، وَقَدْ كَتَبَ مُصَنَّفَاتِ ابْنِ حَزْمٍ وَالْخَطِيبِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَقَدْ جاوز التسعين، وَقَبْرُهُ قَرِيبٌ مِنْ قَبْرِ بِشْرٍ الْحَافِي بِبَغْدَادَ.
هبة الله ابن الشيخ أبى ألوفا بْنِ عَقِيلٍ
كَانَ قَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ وَتَفْقَّهَ وَظَهَرَ مِنْهُ نَجَابَةٌ، ثُمَّ مَرِضَ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوهُ أَمْوَالًا جَزِيلَةً فَلَمْ يُفِدْ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا أَبَتِ إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ الْأَدْوِيَةَ وَالْأَدْعِيَةَ، وللَّه فِيَّ اخْتِيَارٌ فدعني واختيار الله في، قَالَ أَبُوهُ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يُوَفَّقْ لِهَذَا الكلام إلا وقد اختير للحظوة وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وثمانين وأربعمائة
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظَمِ: فِي هَذِهِ السنة حكم جهلة المنجمين أنه سَيَكُونَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ طُوفَانٌ قَرِيبٌ مِنْ طُوفَانِ نُوحٍ، وَشَاعَ الْكَلَامُ بِذَلِكَ بَيْنَ الْعَوَامِّ وخافوا، فاستدعى الخليفة المستظهر ابن عشبون الْمُنَجِّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ فَقَالَ: إِنَّ طُوفَانَ نُوحٍ كَانَ فِي زَمَنٍ اجْتَمَعَ فِي بحر الْحُوتِ الطَّوَالِعُ السَّبْعَةُ، وَالْآنَ فَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهِ سِتَّةٌ وَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا زُحَلُ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ طُوفَانٍ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا بَغْدَادُ. فَتَقَدَّمَ الْخَلِيفَةُ إِلَى وَزِيرِهِ بِإِصْلَاحِ المسيلات وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يُخْشَى انْفِجَارُ الْمَاءِ مِنْهَا، وَجَعَلَ الناس ينتظرون، فجاء الخبر بأن الحجاج حصلوا بوادي المناقب بَعْدَ نَخْلَةَ فَأَتَاهُمْ سَيْلٌ عَظِيمٌ، فَمَا نَجَا مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ تَعَلَّقَ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ، وَأَخَذَ الْمَاءُ الْجِمَالَ وَالرِّجَالَ وَالرِّحَالَ، فَخَلَعَ الْخَلِيفَةُ عَلَى ذلك المنجم وأجرى له جارية. وَفِيهَا مَلَكَ الْأَمِيرُ قِوَامُ الدَّوْلَةِ أَبُو سَعِيدٍ كرتوقا مدينة الموصل، وقتل شرف الدولة محمد بن مُسْلِمِ بْنِ قُرَيْشٍ، وَغَرَّقَهُ بَعْدَ حِصَارِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. وَفِيهَا مَلَكَ تَمِيمُ بْنُ الْمُعِزِّ الْمَغْرِبِيُّ مَدِينَةَ قَابِسَ وَأَخْرَجَ مِنْهَا أَخَاهُ عُمَرَ، فَقَالَ خَطِيبُ سُوسَةَ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا.
ضَحِكَ الزَّمَانُ وَكَانَ يُلْفَى عَابِسًا ... لَمَّا فَتَحْتَ بِحَدِّ سَيْفِكَ قَابِسَا
وَأَتَيْتَهَا بِكْرًا وَمَا أَمْهَرْتَهَا ... إِلَّا قَنًا وصوارما وفوارسا
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا جَنَيْتَ ثِمَارَهَا ... إِلَّا وَكَانَ أبوك قبلا غارسا
مَنْ كَانَ فِي زُرْقِ الْأَسِنَّةِ خَاطِبًا ... كَانَتْ لَهُ قُلَلُ الْبِلَادِ عَرَائِسَا
وَفِي صَفَرٍ مِنْهَا دَرَّسَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ بِالنِّظَامِيَّةِ، وَلَّاهُ إِيَّاهَا فَخْرُ الْمُلْكِ بْنُ نِظَامِ الْمُلْكِ وزير بركيارق. وَفِيهَا أَغَارَتْ خَفَاجَةُ عَلَى بِلَادِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ صدقة بن مزيد بْنِ مَنْصُورِ بْنِ دُبَيْسٍ وَقَصَدُوا مَشْهَدَ الْحُسَيْنِ بالحائر، وتظاهروا فِيهِ بِالْمُنْكَرَاتِ وَالْفَسَادِ، فَكَبَسَهُمْ فِيهِ الْأَمِيرُ صَدَقَةُ المذكور،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute