كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه كل إنسان آخذ باذن صاحبه إلا من أريد (١) جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، أخرجوا عنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم أمر يسؤكم ولا تحمدوا غبه، ارجعوا إلى منازلكم، فو الله ما نحن مغلوبين على ما بأيدنا، قال فرجع الناس، وخرج بعضهم حتى أتى عليا فأخبره الخبر، فجاء على مغضبا حتى دخل على عثمان. فقال: أما رضيت من مروان ولا رضى منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك؟! وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به، والله ما مروان بذي رأى في دينه ولا نفسه، وأيم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت سوقك، وغلبت على أمرك. فلما خرج على دخلت نائلة على عثمان فقالت: أتكلم أو أسكت؟ فقال: تكلمي، فقالت: سمعت قول على أنه ليس يعاودك، وقد أطعت مروان حيث شاء، قال: فما أصنع؟ قالت: تتقى الله وحده لا شريك له، وتتبع سنة صاحبيك من قبلك، فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الله قدر ولا هيبة ولا محبة، فأرسل إلى على فاستصلحه فان له قرابة منك وهو لا يعصى. قال فأرسل عثمان إلى على فأبى أن يأتيه، وقال: لقد أعلمته أنى لست بعائد. قال: وبلغ مروان قول نائلة فيه فجاء الى عثمان فقال: أتكلم أو اسكت؟ فقال: تكلم، فقال: إن نائلة بنت الفرافصة، فقال عثمان لا تذكرها بحرف فأسوء الى وجهك، فهي والله أنصح لي منك. قال: فكف مروان.
[ذكر مجيء الأحزاب الى عثمان المرة الثانية من مصر وغيرها في شوال من هذه السنة]
وذلك أن أهل الأمصار لما بلغهم خبر مروان، وغضب على على عثمان بسببه، ووجدوا الأمر على ما كان عليه لم يتغير ولم يسلك سيرة صاحبيه كاتب أهل مصر وأهل الكوفة وأهل البصرة وتراسلوا، وزورت كتب على لسان الصحابة الذين بالمدينة، وعلى لسان على وطلحة والزبير، يدعون الناس إلى قتال عثمان ونصر الدين، وأنه أكبر الجهاد اليوم. وأذكر سيف بن عمر التميمي عن محمد وطلحة وأبى حارثة وأبى عثمان، وقاله غيرهم أيضا، قالوا: لما كان في شوال سنة خمس وثلاثين، خرج أهل مصرفى أربع رفاق على أربعة أمراء، المقلل لهم يقول ستمائة، والمكثر يقول: ألف. على الرفاق عبد الرحمن ابن عديس البلوى، وكنانة بن بشر الليثي، وسودان بن حمران السكونيّ، وقتيرة السكونيّ وعلى القوم جميعا الغافقي بن حرب العكي، وخرجوا فيما يظهرون للناس حجاجا، ومعهم ابن السوداء - وكان أصله ذميا فأظهر الإسلام وأحدث بدعا قولية وفعلية، قبحه الله - وخرج أهل الكوفة في عدتهم في أربع رفاق أيضا، وأمراؤهم: زيد بن صوحان، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم، وعلى الجميع عمرو بن الأصم. وخرج أهل البصرة في عدتهم أيضا في أربع
(١) كذا بالأصل والطبري وفي عقد الجمان مهملة من التنقيط ووصلها ابن الأثير بشاهت الوجوه