لوهاه فدل على ما قلناه ولما كان النزاع في مثل هذا لا طائل تحته ولا جدوى عنده أرشد نبيه ﷺ الى الأدب في مثل هذا الحال إذا اختلف الناس فيه أن يقول الله أعلم. ولهذا قال ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ وقوله ﴿ما يَعْلَمُهُمْ إِلاّ قَلِيلٌ﴾ أي من الناس فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا) أي سهلا ولا تتكلف اعمال الجدال في مثل هذا الحال ولا تستفت في أمرهم أحدا من الرجال ولهذا أبهم تعالى عدتهم في أول القصة فقال ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ﴾ ولو كان في تعين عدتهم كبير فائدة لذكرها عالم الغيب والشهادة وقوله تعالى ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً * إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاُذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً﴾ أدب عظيم أرشده الله تعالى اليه وحث خلقه عليه وهو ما إذا قال أحدهم انى سأفعل في المستقبل كذا فيشرع له ان يقول ان شاء الله ليكون ذلك تحقيقا لعزمه لان العبد لا يعلم ما في غد ولا يدرى أهذا الّذي عزم عليه مقدر أم لا وليس هذا الاستثناء تعليقا وانما هو الحقيقي ولهذا قال ابن عباس يصح الى سنة ولكن قد يكون في بعض المحال لهذا ولهذا كما تقدم في قصة سليمان ﵇ حين قال لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله فقيل له قل ان شاء الله فلم يقل فطاف فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان
قال رسول الله ﷺ والّذي نفسي بيده لو قال ان شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته. وقوله ﴿وَاُذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ﴾ وذلك لان النسيان قد يكون من الشيطان فذكر الله يطرده عن القلب فيذكر ما كان قد نسيه. وقوله ﴿وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً﴾ أي إذا اشتبه أمر وأشكل حال والتبس أقوال الناس في شيء فارغب إلى الله ييسره لك ويسهله عليك ثم قال ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَاِزْدَادُوا تِسْعاً﴾. لما كان في الاخبار بطول مدة لبثهم فائدة عظيمة ذكرها تعالى وهذه التسع المزيدة بالقمرية وهي لتكميل ثلاثمائة شمسية فان كل مائة قمرية تنقص عن الشمسية ثلاث سنين ﴿قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا﴾ أي إذا سئلت عن مثل هذا وليس عندك في ذلك نقل فرد الأمر في ذلك الى الله ﷿ ﴿لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي هو العالم بالغيب فلا يطلع عليه إلا من شاء من خلقه ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ يعنى أنه يضع الأشياء في محالها لعلمه التام بخلقه وبما يستحقونه ثم قال ﴿ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾ أي ربك المنفرد بالملك والمنصرف وحده لا شريك له.
[قصة الرجلين المؤمن والكافر]
قال الله تعالى في سورة الكهف بعد قصة أهل الكهف ﴿وَاِضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً * وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ﴾