للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً * وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) إلى قوله ﴿هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً﴾. قال بعض الناس هذا مثل مضروب ولا يلزم أن يكون واقعا والجمهور أنه أمر قد وقع وقوله ﴿وَاِضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً﴾ يعنى لكفار قريش في عدم اجتماعهم بالضعفاء والفقراء وازدرائهم بهم وافتخارهم عليهم كما قال تعالى ﴿وَاِضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ كما قدمنا الكلام على قصتهم قبل قصة موسى والمشهور أن هذين كانا رجلين مصطحبين وكان أحدهما مؤمنا والآخر كافرا ويقال إنه كان لكل منهما مال فأنفق المؤمن ماله في طاعة الله ومرضاته ابتغاء وجهه * وأما الكافر فإنه اتخذ له بساتين وهما الجنتان المذكورتان في الآية على الصفة والنعت المذكور. فيهما أعناب ونخيل تحف تلك الأعناب والزروع في ذلك والأنهار سارحة هاهنا وهاهنا للسقي والتنزه وقد استوثقت فيهما الثمار واضطربت فيهما الأنهار وابتهجت الزروع والثمار وافتخر مالكهما على صاحبه المؤمن الفقير قائلا له ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً﴾ أي أوسع جنانا. ومراده انه خير منه ومعناه ماذا أغنى عنك إنفاقك ما كنت تملكه في الوجه الّذي صرفته فيه كان الأولى بك أن تفعل كما فعلت لتكون مثلي فافتخر على صاحبه ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ أي وهو على غير طريقة مرضية قال ﴿ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً﴾ وذلك لما رأى من اتساع أرضها وكثرة مائها وحسن نبات أشجارها ولو قد بادت كل واحدة من هذه الأشجار لاستخلف مكانها أحسن منها وزروعها دارّة لكثرة مياهها. ثم قال ﴿وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً﴾ فوثق بزهرة الحياة الدنيا الفانية وكذب بوجود الآخرة الباقية الدائمة. ثم قال ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً﴾ أي ولئن كان ثم آخرة ومعاد فلأجدن هناك خيرا من هذا وذلك لانه اغتر بدنياه واعتقد أن الله لم يعطه ذلك فيها إلا لحبه له وحظوته عنده كما قال العاص بن وائل فيما قص الله من خبره وخبر خباب بن الأرت في قوله ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا﴾ وقال ﴿لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اِتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً﴾ وقال تعالى اخبارا عن الإنسان إذا أنعم الله عليه ﴿لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى﴾ قال الله تعالى ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ وقال قارون ﴿إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ أي لعلم الله بى أنى أستحقه قال الله تعالى ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ وقد قدمنا الكلام على قصته في أثناء قصة موسى. وقال تعالى ﴿وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ﴾. وقال تعالى ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ * نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ﴾. ولما اغتر هذا الجاهل بما خول به في الدنيا فجحد الآخرة وادعى أنها ان وجدت ليجدن عند ربه خيرا مما هو فيه وسمعه صاحبه يقول ذلك قال له

<<  <  ج: ص:  >  >>