للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَهُوَ يُحاوِرُهُ﴾ أي يجادله ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً﴾ أي أجحدت المعاد وأنت تعلم أن الله خلقك من تراب. ثم من نطفة ثم صورك أطوارا حتى صرت رجلا سويا سميعا بصيرا تعلم وتبطش وتفهم فكيف أنكرت المعاد والله قادر على البداءة ﴿لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي﴾ أي لكن أنا أقول بخلاف ما قلت وأعتقد خلاف معتقدك ﴿هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً﴾ أي لا أعبد سواه واعتقد أنه يبعث الأجساد بعد فنائها ويعيد الأموات ويجمع العظام الرفات وأعلم أن الله لا شريك له في خلقه ولا في ملكه ولا إله غيره ثم أرشده إلى ما كان الاولى به أن يسلكه عند دخول جنته فقال ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ﴾ ولهذا يستحب لكل من أعجبه شيء من ماله أو أهله أو حاله أن يقول كذلك وقد ورد فيه حديث مرفوع في صحته نظر *

قال أبو يعلى الموصلي حدثنا جراح بن مخلد حدثنا عمرو بن يوسف حدثنا عيسى بن عون حدثنا عبد الملك بن زرارة عن أنس قال قال رسول الله (ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله) فيرى فيه أنه (١) دون الموت وكان يتأول هذه الآية ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ﴾ قال الحافظ أبو الفتح الأزدي عيسى بن عون عن عبد الملك بن زرارة عن أنس لا يصح ثم قال المؤمن للكافر ﴿فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ﴾ أي في الدار الآخرة ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ﴾ قال ابن عباس والضحاك وقتادة أي عذابا من السماء. والظاهر أنه المطر المزعج الباهر الّذي يقتلع زروعها وأشجارها ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً﴾ وهو التراب الأملس الّذي لا نبات فيه ﴿أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً﴾ وهو ضد المعين السارح ﴿فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً﴾ يعنى فلا تقدر على استرجاعه قال الله تعالى ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ أي جاءه أمر أحاط بجميع حواصله وخرب جنته ودمرها ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها﴾ أي خربت بالكلية فلا عودة لها وذلك ضد ما كان عليه أمل حيث قال ﴿ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً﴾ وندم على ما كان سلف منه من القول (الّذي كفر بسببه بالله العظيم فهو ﴿يَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً﴾). قال الله تعالى ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً * هُنالِكَ﴾ أي لم يكن أحد يتدارك ما فرط من أمره وما كان له قدرة في نفسه على شيء من ذلك كما قال تعالى ﴿فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ﴾ وقوله ﴿الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ﴾ ومنهم من يبتدئ بقوله ﴿هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ﴾ وهو حسن أيضا لقوله ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً﴾ فالحكم الّذي لا يرد ولا يمانع ولا يغالب في تلك الحال وفي كل حال لله الحق. ومنهم من رفع الحق جعله صفة للولاية وهما متلازمتان وقوله ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً﴾ أي معاملته خير لصاحبها ثوابا وهو الجزاء وخير عقبا وهو العاقبة في الدنيا والآخرة. وهذه القصة تضمنت انه لا ينبغي لأحد أن يركن إلى الحياة الدنيا ولا يغتر


(١) كذا بالأصول ولعله فيرى فيه آفة دون الموت انتهى محمود الامام.

<<  <  ج: ص:  >  >>