وانتهت إليه رئاسة أصحابه في البلاد، وَكَانَ مُتَعَبِّدًا كَثِيرَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، صَبُورًا عَلَى الْفَقْرِ، عَزُوفًا عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ رَأْسًا فِي الِاعْتِزَالِ، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، وَرَوَى عنه حيوة وَابْنُ شَاهِينَ. وَأَصَابَهُ الْفَالِجُ فِي آخِرِ عُمُرهِ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَاشْتَوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ يَكْتُبُوا إِلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ لِيُسَاعِدَهُ بِشَيْءٍ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي مَرَضِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ رَفَعَ رَأَسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهمّ لَا تَجْعَلْ رِزْقِي إِلَّا مِنْ حَيْثُ عَوَّدْتَنِي. فَمَاتَ عَقِبَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ مَا أَرْسَلَ بِهِ سَيْفُ الدَّوْلَةِ، وَهُوَ عشرة آلاف درهم. فتصدقوا بها بعد وَفَاتُهُ فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو تَمَّامٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، وَكَانَ صَاحِبَهُ، وَدُفِنَ فِي درب أبى زيد على نهو الواسطيين.
[محمد بن صالح بن يزيد]
أَبُو جَعْفَرٍ الْوَرَّاقُ سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ يَفْهَمُ وَيَحْفَظُ، وَكَانَ ثِقَةً زَاهِدًا لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ كَسْبِ يَدِهِ وَلَا يَقْطَعُ صَلَاةَ اللَّيْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَحِبْتُهُ سِنِينَ كَثِيرَةً فَمَا رَأَيْتُهُ فَعَلَ إِلَّا مَا يُرْضِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
وَلَا قَالَ إِلَّا مَا يُسْأَلُ عَنْهُ، وَكَانَ يَقُومُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ.
وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ مَنْصُورِ بن قرابكين صَاحِبِ الْجُيُوشِ الْخُرَاسَانِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْأَمِيرِ نُوحٍ الساماني من مرض حَصَلَ لَهُ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَدْمَنَ شُرْبَ الْخَمْرِ أَيَّامًا مُتَتَابِعَةً فَهَلَكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَأُقِيمَ بَعْدَهُ في الجيوش أبو على المحتاج الزَّجَّاجِيُّ، مُصَنِّفُ الْجُمَلِ.
وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرحمن بن إسحاق النحويّ اللغوي الْبَغْدَادِيُّ الْأَصْلِ. ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، مُصَنِّفُ الْجُمَلِ فِي النَّحْوِ، وَهُوَ كِتَابٌ نَافِعٌ، كَثِيرُ الْفَائِدَةِ، صَنَّفَهُ بِمَكَّةَ، وَكَانَ يَطُوفُ بَعْدَ كُلِّ بَابٍ مِنْهُ وَيَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَ بِهِ. أَخَذَ النَّحْوَ أَوَّلًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْيَزِيدِيِّ، وأبى بكر بن دريد، وابن الأنباري. توفى فِي رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ، وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ. تُوَفِّيَ فِي دِمَشْقَ وقيل بطبرية. وقد شرح كتابه الْجُمَلُ بِشُرُوحٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَحْسَنِهَا وَأَجْمَعِهَا مَا وَضَعَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وثلاثمائة
فيها ملكت الروم سروج وقتلوا أهلها وحرقوا مساجدها. قال ابن الأثير: وفيها قصد موسى بن وجيه صَاحِبُ عُمَانَ الْبَصْرَةَ فَمَنَعَهُ مِنْهَا الْمُهَلَّبِيُّ كَمَا تقدم. وَفِيهَا نَقِمَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ عَلَى وَزِيرِهِ فَضَرَبَهُ مائة وخمسين سوطا وَلَمْ يَعْزِلْهُ بَلْ رَسَمَ عَلَيْهِ. وَفِيهَا اخْتَصَمَ المصريون والعراقيون بمكة فخطبوا لِصَاحِبِ مِصْرَ، ثُمَّ غَلَبَهُمُ الْعِرَاقِيُّونَ فَخَطَبُوا لِرُكْنِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ.
وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ
الْمَنْصُورِ الفاطمي
وهو أبو طاهر بن إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَهْدِيِّ صَاحِبِ الْمَغْرِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute