عرفت فعاله بذوي التصابي … وما يلقون من ذل الهوان
طلبت أخا صحيح الود محظى … سليم الغيب محفوظ اللسان
فلم أعرف من الاخوان إلا … نفاقا في التباعد والتداني
وعالم دهرنا لا خير فيهم … ترى صورا تروق بلا معاني
ووصف جميعهم هذا فما أن … أقول سوى فلان أو فلان
ولما لم أجد حرا يواتى … على ما ناب من صرف الزمان
صبرت تكرما لقراع دهري … ولم أجزع لما منه دهاني
ولم أك في الشدائد مستكينا … أقول لها ألا كفى كفاني
ولكنى صليب العود عود … ربيط الجأش مجتمع الجنان
أبى النفس لا أختار رزقا … يجيئ بغير سيفي أو سناني
فعز في لظى باغيه يهوى … ألذ من المذلة في الجنان
وقد ترجمه ابن عساكر في تاريخه ترجمة حسنة كعادته وأورد له من شعره قوله:
لا يغبطن أخا الدنيا لزخرفها … ولا للذة عيش عجلت فرحا
فالدهر أسرع شيء في تقلبه … وفعله بين للخلق قد وضحا
كم شارب عسلا فيه منيته … وكم مقلد سيفا من قربه ذبحا
توفى يوم الاثنين ضحى من ذي الحجة منها، وله ثنتان وسبعون سنة، في حجرة كان يسكنها بدرب السلسلة، جوار المدرسة النظامية، واحتفل الناس بجنازته، وحمل نعشه فيمن حمل الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، ودفن إلى جانب قبر بشر الحافى، في قبر رجل كان قد أعده لنفسه، فسئل أن يتركه للخطيب فشح به ولم تسمح نفسه، حتى قال له بعض الحاضرين: بالله عليك لو جلست أنت والخطيب إلى بشر أيكما كان يجلسه إلى جانبه؟ فقال: الخطيب، فقيل له: فاسمح له به، فوهبه منه فدفن فيه ﵀ وسامحه، وهو ممن قيل فيه وفي أمثاله قول الشاعر:
ما زلت تدأب في التاريخ مجتهدا … حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا
[حسان بن سعيد]
ابن حسان بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي المنيعى، كان في شبابه يجمع بين الزهد والتجارة حتى ساد أهل زمانه، ثم ترك ذلك، وأقبل على العبادة والزهد والبر والصلة والصدقة وغير ذلك، وبناء المساجد والرباطات، وكان السلطان يأتى إليه ويتبرك به، ولما وقع الغلاء كان يعمل كل يوم شيئا كثيرا من الخبز والأطعمة، ويتصدق به