إلى القاضي جمال الدين بن الخرستانى، وهو ابن ثمانين أو تسعين سنة، فحكم بالعدل وقضى بالحق، ويقال إنه كان يحكم بالمدرسة المجاهدية قريبا من النورية عند باب القواسين. وفيها أبطل العادل ضمان الخمر والقيان جزاه الله خيرا، فزال بزوال ذلك عن الناس ومنهم شر كثير. وفيها حاصر الأمير قتادة أمير مكة المدينة ومن بها وقطع نخلا كثيرا، فقاتله أهلها فكر خائبا خاسرا حسيرا، وكان صاحب المدينة بالشام فطلب من العادل نجدة على أمير مكة، فأرسل معه جيشا فأسرع في الأوبة فمات في أثناء الطريق، فاجتمع الجيش على ابن أخيه جماز فقصد مكة فالتقاه أميرها بالصفراء فاقتتلوا قتالا شديدا، فهرب المكيون وغنم منهم جماز شيئا كثيرا، وهرب قتادة إلى الينبع فساروا إليه فحاصروه بها وضيقوا عليه. وفيها أغارت الفرنج على بلاد الإسماعيلية فقتلوا ونهبوا. وفيها أخذ ملك الروم كيكاوس مدينة أنطاكية من أيدي الفرنج ثم أخذها منه ابن لاون ملك الأرمن، ثم منه إبريس طرابلس. وفيها ملك خوارزم شاه محمد بن تكش مدينة غزنة بغير قتال.
وفيها كانت وفاة ولى العهد أبى الحسن على بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله، ولما توفى حزن الخليفة عليه حزنا عظيما، وكذلك الخاصة والعامة لكثرة صدقاته وإحسانه إلى الناس، حتى قيل إنه لم يبق بيت ببغداد إلا حزنوا عليه، وكان يوم جنازته يوما مشهودا وناح أهل البلد عليه ليلا ونهارا، ودفن عند جدته بالقرب من قبر معروف، توفى يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة وصلى عليه بعد صلاة العصر، وفي هذا اليوم قدم بغداد برأس منكلى الّذي كان قد عصى على الخليفة وعلى أستاذه، فطيف به ولم يتم فرحه ذلك اليوم لموت ولده وولى عهده، والدنيا لا تسر بقدر ما تضر، وترك ولدين أحدهما المؤيد أبو عبد الله الحسين، والموفق أبو الفضل يحيى.
[وفيها توفى من الأعيان]
[الحافظ عبد القاهر الرهاوي]
ابن عبد القادر بن عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد الحافظ المحدث المخرج المفيد المحرر المتقن البارع المصنف، كان مولى لبعض المواصلة، وقيل لبعض الجوابين، اشتغل بدار الحديث بالموصل، ثم انتقل إلى حران، وقد رحل إلى بلدان شتى، وسمع الكثير من المشايخ، وأقام بحران إلى أن توفى بها، وكان مولده في سنة ست وثلاثين وخمسمائة، كان دينا صالحا ﵀.
[الوجيه الأعمى]
أبو بكر المبارك بن سعيد بن الدهان النحويّ الواسطي الملقب بالوجيه، ولد بواسط وقدم بغداد فاشتغل بعلم العربية، فأتقن ذلك وحفظ شيئا كثيرا من أشعار العرب، وسمع الحديث وكان حنبليا ثم انتقل إلى مذهب أبى حنيفة، ثم صار شافعيا، وولى تدريس النحو بالنظاميّة، وفيه يقول الشاعر:
فمن مبلغ عنى الوجيه رسالة … وإن كان لا تجدى إليه الرسائل