كأنى بهذا القصر قد باد أهله … وأوحش منه أهله ومنازله
وصار رئيس القصر من بعد بهجة … إلى جدث يبنى عليه جنادله
فما أقام في الخلد إلا أقل من سنة حتى مرض في طريق الحج، ودخل مكة مدنفا ثقيلا. وكانت وفاته ليلة السبت لست وقيل لسبع مضين من ذي الحجة، وكان آخر ما تكلم به أن قال: اللهمّ بارك لي في لقائك. وقيل: إنه قال يا رب إن كنت عصيتك في أمور كثيرة فقد أطعتك في أحب الأشياء إليك شهادة أن لا إله إلا الله مخلصا. ثم مات. وكان نقش خاتمه: الله ثقة عبد الله وبه يؤمن. وكان عمره يوم وفاته ثلاثا وستين سنة على المشهور، منها ثنتان وعشرون سنة خليفة. ودفن بباب المعلاة ﵀. قال ابن جرير: ومما رثى به قول سلم الخاسر الشاعر:
عجبا للذي نعى الناعيان … كيف فاهت بموته الشفتان
ملك أن عدا على الدهر يوما … أصبح الدهر ساقطا للجران
ليت كفا حثت عليه ترابا … لم تعد في يمينها ببنان
حين دانت له البلاد على العسف … وأغضى من خوفه الثقلان
أين رب الزوراء قد قلدته … الملك عشرين حجة واثنتان
إنما المرء كالزناد إذا مات … أخذته قوادح النيران
ليس يثنى هواه زجر ولا يقدح … في حبله ذوو الأذهان
قلدته أعنة الملك حتى … قاد أعداءه بغير عنان
يكسر الطرف دونه وترى الأيدي … من خوفه على الأذقان
ضم أطراف ملكه ثم أضحى … خلف أقصاهم ودون الداني
هاشمي التشمير لا يحمل الثقل … على غارب الشرود الهدان
ذو أناة ينسى لها الخائف الخوف … وعزم يلوى بكل جنان
ذهبت دونه النفوس حذارا … غير أن الأرواح في الأبدان
وقد دفن عند باب المعلاة بمكة ولا يعرف قبره لأنه أعمى قبره، فان الربيع الحاجب حفر مائة قبر ودفنه في غيره لئلا يعرف.
[ذكر أولاد المنصور]
محمد المهدي وهو ولى عهده، وجعفر الأكبر مات في حياته، وأمهما أروى بنت منصور.
وعيسى، ويعقوب، وسليمان، وأمهم فاطمة بنت محمد من ولد طلحة بن عبيد الله. وجعفر الأصغر من أم ولد كردية، وصالح المسكين من أم ولد رومية - يقال لها قالى الفراشة - والقاسم من أم