للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُمَالَأَتِهِمْ لِلْفِرِنْجِ قَدِيمًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مُقَدَّمُ العساكر بندار وفي صحبته سنقر الأشقر، وأقر سنقر الْمَنْصُورِيُّ الَّذِي كَانَ نَائِبَ حَلَبَ فَعَزَلَهُ عَنْهَا السلطان وولى مكانه سيف الدين بلبان البطاحى الْمَنْصُورِيَّ، وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ، فَلَمَّا أحاطوا بالجبل ولم يبق إلا دمار أهليه حملوا في الليل إلى بندار حَمْلًا كَثِيرًا فَفَتَرَ فِي قَضِيَّتِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ بِالْجُيُوشِ عَنْهُمْ وَعَادُوا إِلَى السُّلْطَانِ، فَتَلَقَّاهُمُ السُّلْطَانُ وترجل السلطان إلى الأمير بندار وهو نائبة على مصر، ثم ابن السلعوس نبه السلطان على فعل بندار فلامه وعنفه، فمرض مِنْ ذَلِكَ مَرَضًا شَدِيدًا أَشَفَى بِهِ عَلَى الْمَوْتِ حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ مَاتَ، ثُمَّ عُوفِيَ فَعَمِلَ خَتْمَةً عَظِيمَةً بِجَامِعِ دِمَشْقَ حَضَرهَا الْقُضَاةُ والأعيان، وأشغل الْجَامِعَ نَظِيرَ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَطْلَقَ السُّلْطَانُ أَهْلَ الْحُبُوسِ وَتَرَكَ بَقِيَّةَ الضَّمَانِ عَنْ أَرْبَابِ الْجِهَاتِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، ونزل هو عن ضمانات كثيرة كان قَدْ حَافَ فِيهَا عَلَى أَرْبَابِهَا، وَقَدِ امْتَدَحَ الشهاب محمود الملك الأشرف خليل عَلَى فَتْحِهِ قَلْعَةَ الرُّومِ بِقَصِيدَةٍ هَائِلَةٍ فَاضِلَةٍ أَوَّلُهَا:

لَكَ الرَّايَةُ الصَّفْرَاءُ يَقْدُمُهَا النَّصْرُ ... فَمَنْ كيقباد إن رآها وكيخسرو

إذا خفقت في الأفق هدت بنورها ... هَوَى الشِّرْكِ وَاسْتَعْلَى الْهُدَى وَانْجَلَى الثَّغْرُ

وَإِنْ نشرت مثل الاصائيل في الوغى ... جلى النَّقْعَ مِنْ لَألَاءِ طَلْعَتِهَا الْبَدْرُ

وَإِنَّ يَمَّمَتْ زُرْقَ الْعِدَى سَارَ تَحْتَهَا ... كَتَائِبُ خُضْرٌ دَوْحُهَا الْبِيضُ وَالسُّمْرُ

كَأَنَّ مَثَارَ النَّقْعِ لَيْلٌ وَخَفْقَهَا ... بروق وأنت البدر والفلك الحتر

وَفَتْحٌ أَتَى فِي إِثْرِ فَتْحٍ كَأَنَّمَا ... سَمَاءٌ بدت تترى كواكبها الزهر

فكم فطمت طَوْعًا وَكَرْهًا مَعَاقِلًا ... مَضَى الدَّهْرُ عَنْهَا وَهْيَ عَانِسَةٌ بِكْرُ

بَذَلْتَ لَهَا عَزْمًا فَلَوْلَا مَهَابَةٌ ... كَسَاهَا الْحَيَا جَاءَتْكَ تَسْعَى وَلَا مَهْرُ

قَصَدْتَ حمى من قلعة الروم لم يتح ... لِغَيْرِكَ إِذْ غَرَّتْهُمُ الْمُغْلُ فَاغْتَرُّوا

وَوَالُوهُمْ سِرًّا لِيُخْفُوا أَذَاهُمُ ... وَفِي آخِرِ الْأَمْرِ اسْتَوَى السِّرُّ وَالْجَهْرُ

صَرَفْتَ إِلَيهِمْ هِمَّةً لَوْ صَرَفَتْهَا ... إِلَى الْبَحْرَ لَاسْتَوْلَى عَلَى مَدِّهِ الْجَزْرُ

وَمَا قَلْعَةُ الرُّومِ الَّتِي حُزْتَ فَتْحَهَا ... وَإِنْ عَظُمَتْ إِلَّا إِلَى غَيْرِهَا جِسْرُ

طَلِيعَةُ مَا يَأْتِي مِنَ الْفَتْحِ بَعْدَهَا ... كَمَا لَاحَ قَبْلَ الشَّمْسِ فِي الْأُفُقِ الْفَجْرُ

فَصَبَّحْتَهَا بِالْجَيْشِ كَالرَّوْضِ بَهْجَةً ... صَوَارِمُهُ أَنْهَارُهُ وَالْقنَا الزُّهْرُ

وَأَبْعَدْتَ بَلْ كَالْبَحْرِ وَالْبَيْضُ موجه ... وجرد المذاكي السفن والخوذ الذر

وَأَغْرَبْتَ بَلْ كَاللَّيْلِ عُوجُ سُيُوفِهِ ... أَهِلَّتُهُ وَالنَّبْلُ أنجمه الزهر

<<  <  ج: ص:  >  >>