براحة الجيش الحلبي وسلامته بعد ما قاسوا شديدا وتعبا كثيرا. وفي يوم الأربعاء ثالث عشره كان قدوم الأمراء الذين كانوا مسجونين بالإسكندرية من لدن عود السلطان إلى الديار المصرية، ممن كان اتهم بممالأة يلبغا أو خدمته، كالأمير سيف الدين ملك أجى، وعلاء الدين على السيمقدار، وساطلمس الجلالي ومن معهم.
وفي أول شهر رمضان اتفق أن جماعة من المفتين أفتوا بأحد قولي العلماء، وهما وجهان لأصحابنا الشافعية وهو جواز استعادة ما استهدم من الكنائس، فتعصب عليهم قاضى القضاة تقى الدين السبكى فقرعهم في ذلك ومنعهم من الإفتاء، وصنف في ذلك مصنفا يتضمن المنع من ذلك سماه «الدسائس في الكنائس» وفي خامس شهر رمضان قدم بالأمير أبو الغادر التركماني الّذي كان مؤازرا ليلبغا في العام الماضي على تلك الأفاعيل القبيحة، وهو مضيق عليه، فأحضر بين يدي النائب ثم أودع القلعة المنصورة في هذا اليوم.
[ثم دخلت سنة خمس وخمسين وسبعمائة]
استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية وما يتبع ذلك والحرمين الشريفين وما والاهما من بلاد الحجاز وغيرها الملك الصالح صلاح الدين بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي، وهو ابن بنت تنكز نائب الشام، وكان في الدولة الناصرية، ونائبة بالديار المصرية الأمير سيف الدين قبلاى الناصري، ووزيره القاضي موفق الدين، وقضاة مصرهم المذكورون في العام الماضي، ومنهم قاضى القضاة عز الدين بن جماعة الشافعيّ، وقد جاور في هذه السنة في الحجاز الشريف، والقاضي تاج الدين المناوى يسد المنصب عنه، وكاتب السر القاضي علاء الدين ابن فضل الله العدوي، ومدبرو المملكة الأمراء الثلاثة سيف الدين شيخون، وصرغتمش الناصري والأمير الكبير الدوادار عز الدين مغلطاى الناصري. ودخلت هذه السنة والأمير سيف الدين شيخون في الاحداث من مدة شهر أو قريب ونائب دمشق الأمير علاء الدين أمير على المارداني، وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها، وناظر الدواوين الصاحب شمس الدين موسى بن التاج إسحاق وكاتب السر القاضي ناصر الدين بن الشرف يعقوب، وخطيب البلد جمال الدين محمود بن جملة، ومحتسبه الشيخ علاء الدين الأنصاري، قريب الشيخ بهاء الدين بن إمام المشهد، وهو مدرس الأمينية مكانه أيضا.
وفي شهر ربيع الآخر قدم الأمير علاء الدين مغلطاى الّذي كان مسجونا بالإسكندرية ثم أفرج عنه، وقد كان قبل ذلك هو الدولة، وأمر بالمسير إلى الشام ليكون عند حمزة أيتمش نائب طرابلس، وأما منجك الّذي كان وزيره بالديار المصرية وكان معتقلا بالإسكندرية مع مغلطاى، فإنه صار إلى صغد مقيما بها بطالا، كما أن مغلطاى أمر بالمقام بطرابلس بطالا إلى حين يحكم الله ﷿