للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم آل به الحال على أن عزم على الانتقال من دمشق إلى حلب لاستحوازه على قلب نائبها، فأقام بها ودرس، ثم تردد في الرسلية بين السلطان ومهنا صحبة أرغون والطنبغا، ثم استقر به المنزل بمصر ودرس فيها بمشهد الحسين إلى أن توفى بها بكرة نهار الأربعاء رابع عشرين ذي الحجة بداره قريبا من جامع الحاكم، ودفن من يومه قريبا من الشيخ محمد بن أبى جمرة بتربة القاضي ناظر الجيش بالقرافة، ولما بلغت وفاته دمشق صلى عليه بجامعها صلاة الغائب بعد الجمعة ثالث المحرم من السنة الآتية، ورثاه جماعة منهم ابن غانم علاء الدين، والقجقازي والصفدي، لانهم كانوا من عشرائه.

[وفي يوم عرفة توفى الشيخ عماد الدين إسماعيل الفوعى]

وكيل قجليس، وهو الّذي بنى له الباشورة على باب الصغير بالبرانية الغربية، وكانت فيه نهضة وكفاية، وكان من بيت الرفض، اتفق أنه استحضره نائب السلطنة فضربه بين يديه، وقام النائب إليه بنفسه فجعل يضربه بالمهاميز في وجهه فرفع من بين يديه وهو تالف فمات في يوم عرفة، ودفن من يومه بسفح قاسيون وله دار ظاهر باب الفراديس.

[ثم دخلت سنة سبع عشرة وسبعمائة]

استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها. وفي صفر شرع في عمارة الجامع الّذي أنشأه ملك الأمراء تنكز نائب الشام ظاهر باب النصر تجاه حكر السماق، على نهر بانياس بدمشق، وتردد القضاة والعلماء في تحرير قبلته، فاستقر الحال في أمرها على ما قاله الشيخ تقى الدين بن تيمية في يوم الأحد الخامس والعشرين منه، وشرعوا في بنائه بأمر السلطان، ومساعدته لنائبه في ذلك. وفي صفر هذا جاء سيل عظيم بمدينة بعلبكّ أهلك خلقا كثيرا من الناس، وخرب دورا وعمائر كثيرة، وذلك في يوم الثلاثاء سابع وعشرين صفر.

وملخص ذلك أنه قبل ذلك جاءهم رعد وبرق عظيم معهما برد ومطر، فسالت الأودية، ثم جاءهم بعده سيل هائل خسف من سور البلد من جهة الشمال شرق مقدار أربعين ذراعا، مع أن سمك الحائط خمسة أذرع، وحمل برجا صحيحا ومعه من جانبيه مدينتين، فحمله كما هو حتى مر فحفر في الأرض نحو خمسمائة ذراع سعة ثلاثين ذراعا، وحمل السيل ذلك إلى غربي البلد، لا يمر على شيء إلا أتلفه، ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فأتلف ما يزيد على ثلثها، ودخل الجامع فارتفع فيه على قامة ونصف، ثم قوى على حائطه الغربي فأخر به وأتلف جميع ما فيه الحواصل والكتب والمصاحف وأتلف شيئا كثيرا من رباغ الجامع، وهلك تحت الهدم خلق كثير من الرجال والنساء والأطفال، فانا لله وإنا إليه راجعون. وغرق في الجامع الشيخ على بن محمد بن الشيخ على الحريري هو وجماعة معه من الفقراء، ويقال كان من جملة من هلك في هذه الكائنة من أهل بعلبكّ مائة وأربعة وأربعون

<<  <  ج: ص:  >  >>