وَبُسْتَانًا، وَجَعَلَ لِلْوَارِدِينَ إِلَيْهِ أَشْيَاءَ تُصْرَفُ إِلَيْهِمْ في نفقة وإصلاح أمتعتهم رحمه الله. وَبَنَى عَلَى قَبْرِ أَبِي عُبَيْدَةَ بِالْقُرْبِ مِنْ عمتنا مَشْهَدًا، وَوَقَفَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ لِلْوَارِدِينَ إِلَيْهِ، وَعَمَّرَ جِسْرَ دَامِيَةٍ، وَجَدَّدَ قَبْرَ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ بِنَاحِيَةِ الْكَرَكِ، وَوَقَفَ عَلَى الزَّائِرِينَ لَهُ شَيْئًا كَثِيرًا، وجدد قلعة صفت وَجَامِعَهَا، وَجَدَّدَ جَامِعَ الرَّمْلَةِ وَغَيْرَهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي كَانَتِ الْفِرِنْجُ قَدْ أَخَذَتْهَا وَخَرَّبَتْ جَوَامِعَهَا وَمَسَاجِدَهَا، وَبَنَى بِحَلَبَ دَارًا هَائِلَةً، وَبِدِمَشْقَ الْقَصْرَ الْأَبْلَقَ وَالْمَدْرَسَةَ الظَّاهِرِيَّةَ وَغَيْرَهَا، وَضَرَبَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْجَيِّدَةَ الْخَالِصَةَ عَلَى النُّصْحِ وَالْمُعَامَلَةِ الْجَيِّدَةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ.
وَلَهُ مِنَ الْآثَارِ الْحَسَنَةِ وَالْأَمَاكِنِ مَا لَمْ يُبْنَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ وَمُلُوكِ بَنِي أَيُّوبَ، مَعَ اشتغاله في الجهاد فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاسْتَخْدَمَ مِنَ الْجُيُوشِ شَيْئًا كثيرا، ورد إليه نحوا مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَغُولِ فَأَقْطَعَهُمْ وَأَمَّرَ كَثِيرًا مِنْهُمْ، وَكَانَ مُقْتَصِدًا فِي مَلْبَسِهِ وَمَطْعَمِهِ وَكَذَلِكَ جَيْشُهُ، وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ الدَّوْلَةَ الْعَبَّاسِيَّةَ بَعْدَ دُثُورِهَا، وَبَقِيَ النَّاسُ بِلَا خَلِيفَةٍ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ قَاضِيًا مُسْتَقِلًّا قَاضِيَ قُضَاةٍ. وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مُتَيَقِّظًا شَهْمًا شُجَاعًا لَا يَفْتُرُ عَنِ الْأَعْدَاءِ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، بَلْ هُوَ مُنَاجِزٌ لِأَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَلَمِّ شَعَثِهِ وَاجْتِمَاعِ شَمْلِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ أَقَامَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُتَأَخِّرِ عَوْنًا وَنَصْرًا لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَشَجًا فِي حُلُوقِ الْمَارِقِينَ مِنَ الْفِرِنْجِ وَالتَّتَارِ، وَالْمُشْرِكِينَ. وَأَبْطَلَ الْخُمُورَ وَنَفَى الْفُسَّاقَ مِنَ الْبِلَادِ، وَكَانَ لَا يَرَى شَيْئًا مِنَ الْفَسَادِ وَالْمَفَاسِدِ إِلَّا سَعَى فِي إِزَالَتِهِ بِجُهْدِهِ وَطَاقَتِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سِيرَتِهِ مَا أَرْشَدَ إِلَى حُسْنِ طَوِيَّتِهِ وَسَرِيرَتِهِ، وَقَدْ جَمَعَ لَهُ كَاتِبُهُ ابْنُ عَبْدِ الظَّاهِرِ سِيرَةً مُطَوَّلَةً، وَكَذَلِكَ ابْنُ شَدَّادٍ أَيْضًا. وَقَدْ تَرَكَ مِنَ الْأَوْلَادِ عَشَرَةً ثَلَاثَةَ ذُكُورٍ وَسَبْعَةَ إِنَاثٍ وَمَاتَ وَعُمْرُهُ مَا بَيْنَ الْخَمْسِينَ إِلَى السِّتِّينِ، وَلَهُ أَوْقَافٌ وَصِلَاتٌ وَصَدَقَاتٌ، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ الْحَسَنَاتِ، وَتَجَاوَزَ لَهُ عَنِ السَّيِّئَاتِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَقَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ السَّعِيدُ بِمُبَايَعَةِ أَبِيهِ لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَكَانَ عُمُرُ السَّعِيدِ يَوْمَئِذٍ دُونَ الْعِشْرِينَ سَنَةً، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الْأَشْكَالِ وَأَتَمِّ الرِّجَالِ، وَفِي صفر وصلت الهدايا من الفنس مَعَ رُسُلِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَوَجَدُوا السُّلْطَانَ قَدْ مَاتَ، وَقَدْ أُقِيمَ الْمَلِكُ السَّعِيدُ وَلَدُهُ مَكَانَهُ وَالدَّوْلَةُ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَالْمَعْرِفَةُ بَعْدَهُ مَا تَنَكَّرَتْ، وَلَكِنِ الْبِلَادُ قَدْ فَقَدَتْ أَسَدَهَا بَلْ أَسَدَّهَا وَأَشَدَّهَا، بَلِ الَّذِي بَلَغَ أَشُدَّهَا، وَإِذَا انْفَتَحَتْ ثَغْرَةٌ مِنْ سُورِ الْإِسْلَامِ سَدَّهَا، وَكُلَّمَا انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ مِنْ عُرَى الْعَزَائِمِ شَدَّهَا، وَكُلَّمَا رَامَتْ فِرْقَةٌ مَارِقَةٌ مِنْ طَوَائِفِ الطَّغَامِ أَنْ تَلِجَ إِلَى حَوْمَةِ الْإِسْلَامِ صَدَّهَا وَرَدَّهَا، فَسَامَحَهُ اللَّهُ، وَبَلَّ بِالرَّحْمَةِ ثَرَاهُ، وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ.
وَكَانَتِ الْعَسَاكِرُ الشَّامِيَّةُ قَدْ سَارَتْ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَمَعَهُمْ مِحَفَّةٌ يُظْهِرُونَ أَنَّ السُّلْطَانَ بها مَرِيضٌ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الْقَاهِرَةِ فَجَدَّدُوا الْبَيْعَةَ للسعيد بعد ما أَظْهَرُوا مَوْتَ الْمَلِكِ السَّدِيدِ الَّذِي هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute