للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرمى رجل منهم رجلا من المسلمين على غرة فقتله وهرب عنه أصحابه، فخرجوا على المسلمين بعد ذلك حتى عرفوا أن المسلمين يموتون، فاقتتلوا قتالا شديدا ونادى مناد من الجو صبرا آل عبد الرحمن وموعدكم الجنة، فقاتل عبد الرحمن حتى قتل وانكشف الناس وأخذ الراية سلمان بن ربيعة فقاتل بها، ونادى المنادي من الجو صبرا آل سلمان بن ربيعة. فقاتل قتالا شديدا ثم تحيز سلمان وأبو هريرة بالمسلمين، وفروا من كثرة الترك ورميهم الشديد السديد على جيلان فقطعوها إلى جرجان، واجترأت الترك بعدها، ومع هذا أخذت الترك عبد الرحمن بن ربيعة فدفنوه في بلادهم، فهم يستسقون بقبره إلى اليوم. وسيأتي تفصيل ذلك كله.

[قصة السد]

ذكر ابن جرير بسنده أن شهربراز قال لعبد الرحمن بن ربيعة لما قدم عليه حين وصل إلى الباب وأراه رجلا فقال شهربراز: أيها الأمير إن هذا الرجل كنت بعثته نحو السد، وزودته مالا جزيلا وكتبت له إلى الملوك الذين يولونى، وبعثت لهم هدايا، وسألت منهم أن يكتبوا له إلى من يليهم من الملوك حتى ينتهى إلى سد ذي القرنين، فينظر إليه ويأتينا بخبره. فسار حتى انتهى إلى الملك الّذي السد في أرضه، فبعثه إلى عامله مما يلي السد، فبعث معه بازياره ومعه عقابه، فلما انتهوا إلى السد إذا جبلان بينهما سد مسدود، حتى ارتفع على الجبلين، وإذا دون السد خندق أشد سوادا من الليل لبعده، فنظر إلى ذلك كله وتفرس فيه، ثم لما همّ بالانصراف قال له البازيار: على رسلك، ثم شرح بضعة لحم معه فألقاها في ذلك الهواء، وانقض عليها العقاب. فقال: إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء، وإن لم تدركها حتى تقع فذلك شيء. قال: فلم تدركها حتى وقعت في أسفله واتبعها العقاب فأخرجها فإذا فيها ياقوتة وهي هذه. ثم ناولها الملك شهربراز لعبد الرحمن بن ربيعة، فنظر إليها عبد الرحمن ثم ردها إليه، فلما ردها إليه فرح وقال: والله لهذه خير من مملكة هذه المدينة - يعنى مدينة باب الأبواب التي هو فيها - ووالله لأنتم أحب إلى اليوم من مملكة آل كسرى، ولو كنت في سلطانهم وبلغهم خبرها لانتزعوها منى. وأيم الله لا يقوم لكم شيء ما وفيتم ووفى ملككم الأكبر. ثم أقبل عبد الرحمن بن ربيعة على الرسول الّذي ذهب على السد فقال: ما حال هذا الردم؟ - يعنى ما صفته - فأشار إلى ثوب في زرقة وحمرة فقال: مثل هذا. فقال رجل لعبد الرحمن:

صدق والله لقد نفذ ورأى. فقال: أجل وصف صفة الحديد والصفر. قال الله تعالى ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ اُنْفُخُوا حَتّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً﴾ وقد ذكرت صفة السد في التفسير، وفي أوائل هذا الكتاب.

وقد ذكر البخاري في صحيحه تعليقا أن رجلا قال للنّبيّ رأيت السد. فقال: «كيف رأيته»؟ قال: مثل البرد المحبر رأيته.

<<  <  ج: ص:  >  >>