قطب الدين محمد بن الحسن الحاكم بحمص، جاء إلى دمشق لتلقى أخى زوجته قاضى القضاة تاج الدين السبكى الشافعيّ، فتمرض من مدة ثم كانت وفاته بدمشق، فصلى عليه بالجامع كما ذكرنا، وخارج باب الفرج، ثم صعدوا به إلى سفح جبل قاسيون، وقد جاوز الثمانين بسنتين، وقد حدث وروى شيئا يسيرا ﵀.
وفي يوم الأحد ثالثه قدم قاضيا الحنفية والحنابلة بحلب والخطيب بها والشيخ شهاب الدين الاذرعى، والشيخ زين الدين البارينى وآخرون معهم، فنزلوا بالمدرسة الاقبالية وهم وقاضى قضاتهم الشافعيّ، وهو كمال الدين المصري مطلوبون إلى الديار المصرية، فتحرر ما ذكروه عن قاضيهم وما نقموه عليه من السيرة السيئة فيما يذكرون في المواقف الشريفة بمصر، وتوجهوا إلى الديار المصرية يوم السبت عاشره.
وفي يوم الخميس قدم الأمير زين الدين زبالة نائب القلعة من الديار المصرية على البريد في تجمل عظيم هائل، وتلقاه الناس بالشموع في أثناء الطريق، ونزل بدار الذهب، وراح الناس للسلام عليه وتهنئته بالعود إلى نيابة القلعة، على عادته، وهذه ثالث مرة وليها لأنه مشكور السيرة فيها، وله فيها سعى محمود في أوقات متعددة.
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين صلى نائب السلطنة والقاضيان الشافعيّ والحنفي وكاتب السر وجماعة من الأمراء والأعيان بالمقصورة وقرئ كتاب السلطان على السدة بوضع مكس الغنم إلى كل رأس بدرهمين، فتضاعفت الأدعية لولى الأمر، ولمن كان السبب في ذلك.
[غريبة من الغرائب وعجيبة من العجائب]
وقد كثرت المياه في هذا الشهر وزادت الأنهار زيادة كثيرة جدا، بحيث إنه فاض الماء في سوق الخيل من نهر بردي حتى عم جميع العرصة المعروفة بموقف الموكب، بحيث إنه أجريت فيه المراكب بالكلك، وركبت فيه المارة من جانب إلى جانب، واستمر ذلك جمعا متعددة، وامتنع نائب السلطنة والجيش من الوقوف هناك، وربما وقف نائب السلطنة بعض الأيام تحت الطارمة تجاه باب الاسطبل السلطاني، وهذا أمر لم يعهد مثله ولا رأيته قط في مدة عمري، وقد سقطت بسبب ذلك بنايات ودور كثيرة، وتعطلت طواحين كثيرة غمرها الماء.
وفي ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى توفى الصدر شمس الدين عبد الرحمن ابن الشيخ عز الدين بن منجى التنوخي بعد العشاء الآخرة، وصلى عليه بجامع دمشق بعد صلاة الظهر، ودفن بالسفح. وفي صبيحة هذا اليوم توفى الشيخ ناصر الدين محمد بن أحمد القونوي الحنفي، خطيب جامع يلبغا، وصلى عليه عقيب صلاة الظهر أيضا، ودفن بالصوفية، وقد باشر عوضه الخطابة والإمامة