وَمَنْ يَخُنْ أَحْمَدَ فِي أَصْحَابِهِ ... فَخَصْمُهُ يَوْمَ الْمَعَادِ أَحْمَدُ
هَذَا اعْتِقَادِي فَالْزَمُوهُ تَفْلَحُوا ... هَذَا طَرِيقِي فَاسْلُكُوهُ تَهْتَدُوا
وَالشَّافِعِيُّ مَذْهَبِي مَذْهَبُهُ ... لِأَنَّهُ في قوله مؤيد
اتبعته في الأصل والفرع معا ... فليتبعني الطالب المرشد
إني باذن الله تاج سابق ... إذا ونى الظالم ثم المفسد
ومن شعره أيضا:
إذا قل مالي لم تجدني جازعا ... كثير الأسى معرى بِعَضِّ الْأَنَامِلِ
وَلَا بَطِرًا إِنْ جَدَّدَ اللَّهُ نعمة ... ولو أن ما أوتى جميع الناس لي
[ثم دخلت سنة أربع وخمسين وخمسمائة]
فِيهَا مَرِضَ الْخَلِيفَةُ الْمُقْتَفِي مَرَضًا شَدِيدًا، ثُمَّ عوفي منه فزينت بغداد أياما، وتصدق بصدقات كَثِيرَةٍ. وَفِيهَا اسْتَعَادَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ مَدِينَةَ الْمَهْدِيَّةِ مِنْ أَيْدِي الْفِرِنْجِ، وَقَدْ كَانُوا أَخَذُوهَا مِنَ المسلمين في سنة ثلاث وأربعين. وفيها قاتل عبد المؤمن خلقا كثيرا من الغرب حَتَّى صَارَتْ عِظَامُ الْقَتْلَى هُنَاكَ كَالتَّلِّ الْعَظِيمِ، وفي صفر منها سَقَطَ بَرَدٌ بِالْعِرَاقِ كِبَارٌ، زِنَةُ الْبَرَدَةِ قَرِيبٌ مِنْ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، فَهَلَكَ بِذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنَ الْغَلَّاتِ، وَخَرَجَ الْخَلِيفَةُ إِلَى وَاسِطٍ فَاجْتَازَ بِسُوقِهَا وَرَأَى جَامِعَهَا، وَسَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَشُجَّ جَبِينُهُ، ثُمَّ عُوفِيَ. وَفِي رَبِيعٍ الْآخَرِ زَادَتْ دِجْلَةُ زيادة عظيمة، فغرق بِسَبَبِ ذَلِكَ مَحَالُّ كَثِيرَةٌ مِنْ بَغْدَادَ، حَتَّى صَارَ أَكْثَرُ الدُّورِ بِهَا تُلُولًا، وَغَرِقَتْ تُرْبَةُ أحمد، وخسفت هناك الْقُبُورُ، وَطَفَتِ الْمَوْتَى عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ. قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَثُرَ الْمَرَضُ وَالْمَوْتُ، وَفِيهَا أَقْبَلَ مَلِكُ الرُّومِ فِي جَحَافِلَ كثيرة قاصدا بلاد الشام فرده الله خائبا خاسئا، وَذَلِكَ لِضِيقِ حَالِهِمْ مِنَ الْمِيرَةِ، وَأَسَرَ الْمُسْلِمُونَ ابن أخته وللَّه الحمد. وحج بالناس فيها قيماز الأرجواني.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ
أَحْمَدُ بْنُ معالي
ابن بركة الحربي، تفقه بأبي الخطاب الكلوذاني الحنبلي، وبرع وناظر ودرس وأفتى، ثم صار بعد ذلك شَافِعِيًّا، ثُمَّ عَادَ حَنْبَلِيًّا، وَوَعَظَ بِبَغْدَادَ وَتُوُفِّيَ في هذه السنة، وذلك أنه دخلت به راحلته فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ فَدَخَلَ قَرَبُوسُ سَرْجِهِ فِي صدره فمات.
[السلطان محمد بن محمود بن محمد بن ملك شاه]
لَمَّا رَجَعَ مِنْ مُحَاصَرَةِ بَغْدَادَ إِلَى هَمَذَانَ أصابه مرض السل فلم ينجح منه، بل توفى في ذي الحجة منها، وَقَبْلَ وَفَاتِهِ بِأَيَّامٍ أَمَرَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَالِسٌ في المنظرة،