أمير الحاج وزعيم بلاد خوزستان، كان شيخا خيرا حسن السيرة كثير العبادة، غاليا في التشيع، توفى بتستر ثانى جمادى الآخرة وحمل تابوته إلى الكوفة فدفن بمشهد على لوصيته بذلك، هكذا ترجمه ابن الساعي في تاريخه، وذكر أبو شامة في الذيل أنه طاشتكين بن عبد الله المقتفوي أمير الحاج، حج بالناس ستا وعشرين سنة، كان يكون في الحجاز كأنه ملك، وقد رماه الوزير ابن يونس بأنه يكاتب صلاح الدين فحبسه الخليفة، ثم تبين له بطلان ما ذكر عنه فأطلقه وأعطاه خوزستان ثم أعاده إلى إمرة الحج، وكانت الحلة الشيعية إقطاعه، وكان شجاعا جوادا سمحا قليل الكلام، يمضى عليه الأسبوع لا يتكلم فيه بكلمة، وكان فيه حلم واحتمال، استغاث به رجل على بعض نوابه فلم يرد عليه، فقال له الرجل المستغيث: أحمار أنت؟ فقال: لا. وفيه يقول ابن التعاويذي.
وأمير على البلاد مولى … لا يجيب الشاكي بغير السكوت
كلما زاد رفعة حطنا الله … بتفيله إلى البهموت
وقد سرق فراشه حياجبة له فأرادوا أن يستقروه عليها، وكان قد رآه الأمير طاشتكين حين أخذها فقال: لا تعاقبوا أحدا، قد أخذها من لا يردها، ورآه حين أخذها من لا ينم عليه، وقد كان بلغ من العمر تسعين سنة، واتفق أنه استأجر أرضا مدة ثلاثمائة سنة للوقف، فقال فيه بعض المضحكين: هذا لا يوقن بالموت، عمره تسعون سنة واستأجر أرضا ثلاثمائة سنة، فاستضحك القوم والله ﷾ أعلم.
[ثم دخلت سنة ثلاث وستمائة]
فيها جرت أمور طويلة بالمشرق بين الغورية والخوارزمية، وملكهم خوارزم شاه بن تكش ببلاد الطالقان. وفيها ولى الخليفة القضاء ببغداد لعبد الله بن الدامغانيّ. وفيها قبض الخليفة على عبد السلام بن عبد الوهاب ابن الشيخ عبد القادر الجيلاني، بسبب فسقه وفجوره، وأحرقت كتبه وأمواله قبل ذلك لما فيها من كتب الفلاسفة، وعلوم الأوائل، وأصبح يستعطى بين الناس، وهذا بخطيئة قيامه على أبى الفرج ابن الجوزي، فإنه هو الّذي كان وشى به إلى الوزير ابن القصاب حتى أحرقت بعض كتب ابن الجوزي، وختم على بقيتها، ونفى إلى واسط خمس سنين، والناس يقولون: في الله كفاية وفي القرآن، وجزاء سيئة سيئة مثلها، والصوفية يقولون: الطريق يأخذ.
والأطباء يقولون الطبيعة مكافئة. وفيها نازلت الفرنج حمص فقاتلهم ملكها أسد الدين شيركوه، وأعانه بالمدد الملك الظاهر صاحب حلب فكف الله شرهم. وفيها اجتمع شابان (١) ببغداد على الخمر
(١) أحدهما أبو القاسم أحمد بن المقرئ صاحب ديوان الخليفة، داعب ابن الأمير أصبه. وكان شابا جميلا فرماه بسكين فقتله. فسلمه الخليفة إلى أولاد ابن أصبه فقتلوه. (النجوم ج ٦ ص ١٩٢)