عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت. فلما قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة، قال: فما سمعناه ذكر رجله ولا ولده، ولا شكا ذلك إلى أحد حتى دخل وادي القرى، فلما كان في المكان الّذي أصابته الأكلة فيه قال:(لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) فلما دخل المدينة أتاه الناس يسلمون عليه ويعزونه في رجله وولده، فبلغه أن بعض الناس قال: إنما أصابه هذا بذنب عظيم أحدثه. فأنشد عروة في ذلك والأبيات لمعن بن أوس: -
لعمرك ما أهويت كفى لريبة … ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصرى لها … ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماش ما حييت لمنكر … من الأمر لا يمشى إلى مثله مثلي
ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة … وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
وأعلم أنى لم تصبني مصيبة … من الدهر إلا قد أصابت فتى مثلي
وفي رواية: اللهمّ إنه كان لي بنون أربعة فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة. كذا ذكر هذا الحديث فيه هشام. وقال مسلمة بن محارب: وقعت في رجل عروة الأكلة فقطعت ولم يمسكه أحد، ولم يدع في تلك الليلة ورده. وقال الأوزاعي: لما نشرت رجل عروة قال: اللهمّ إنك تعلم أنى لم أمش بها إلى سوء قط. وأنشد البيتين المتقدمين. رأى عروة رجلا يصلى صلاة خفيفة فدعاه فقال: يا أخى أما كانت لك إلى ربك حاجة في صلاتك؟ إني لأسأل الله في صلاتي حتى أسأله الملح. قال عروة:
رب كلمة ذل احتملتها أورثتني عزا طويلا. وقال لبنيه: إذا رأيتم الرجل يعمل الحسنة فاعلموا أن لها عنده أخوات، وإذا رأيتم الرجل يعمل السيئة فاعلموا أن لها عنده أخوات، فان الحسنة تدل على أختها، والسيئة تدل على أختها. وكان عروة إذا دخل حائطه ردد هذه الآية (﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ﴾) حتى يخرج منه والله ﷾ أعلم] (١).
قيل إنه ولد في حياة عمر، والصحيح أنه ولد بعد عمر في سنة ثلاث وعشرين، وكانت وفاته في سنة أربع وتسعين على المشهور، وقيل سنة تسعين، وقيل سنة مائة، وقيل إحدى وتسعين، وقيل إحدى ومائة، وقيل سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس وتسعين، وقيل تسع وتسعين فالله أعلم.
[على بن الحسين]
ابن على بن أبى طالب القرشي الهاشمي المشهور بزين العابدين، وأمه أم ولد اسمها سلامة، وكان له أخ أكبر منه يقال له على أيضا، قتل مع أبيه، روى على هذا الحديث عن أبيه وعمه الحسن بن على، وجابر وابن عباس والمسور بن مخرمة وأبى هريرة وصفية وعائشة وأم سلمة، أمهات المؤمنين. وعنه