وكانت وفاة مهنا هذا ببلاد سلمية في ثامن عشر ذي القعدة، ودفن هناك ﵀.
[الشيخ الزاهد]
فضل بن عيسى بن قنديل العجلونى الحنبلي المقيم بالمسمارية، أصله من بلاد حبراحى، كان متقللا من الدنيا يلبس ثيابا طوالا وعمامة هائلة، وهي بأرخص الأثمان، وكان يعرف تعبير الرؤيا ويقصد لذلك، وكان لا يقبل من أحد شيئا، وقد عرضت عليه وظائف بجوامك كثيرة فلم يقبلها، بل رضى بالرغيد الهنى من العيش الخشن إلى أن توفى في ذي الحجة، وله نحو تسعين سنة، ودفن بالقرب من قبر الشيخ تقى الدين بن تيمية رحمهما الله، وكانت جنازته حافلة جدا.
[ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة]
استهلت بيوم الجمعة والحكام هم المذكورون في التي قبلها. وفي أول يوم منها ركب تنكز إلى قلعة جعبر ومعه الجيش والمناجنيق فغابوا شهرا وخمسة أيام وعادوا سالمين. وفي ثامن صفر فتحت الخانقاه التي أنشأها سيف الدين قوصون الناصري خارج باب القرافة، وتولى مشيختها الشيخ شمس الدين الأصبهاني المتكلم. وفي عاشر صفر خرج ابن جملة من السجن بالقلعة وجاءت الأخبار بموت ملك التتار أبى سعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولى بن جنكزخان، في يوم الخميس ثانى عشر ربيع الآخر بدار السلطنة بقراباغ، وهي منزلهم في الشتاء، ثم نقل إلى تربته بمدينته التي أنشأها قريبا من السلطانية مدينة أبيه، وقد كان من خيار ملوك التتار وأحسنهم طريقة وأثبتهم على السنة وأقومهم بها، وقد عز أهل السنة بزمانه وذلت الرافضة، بخلاف دولة أبيه، ثم من بعده لم يقم للتتار قائمة، بل اختلفوا فتفرقوا شذر مذر إلى زماننا هذا، وكان القائم من بعده بالأمر ارتكاوون من ذرية أبغا، ولم يستمر له الأمر إلا قليلا.
وفي يوم الأربعاء عاشر جمادى الأولى درس بالناصرية الجوانية بدر الدين الأردبيلي عوضا عن كمال الدين ابن الشيرازي توفى، وحضر عنده القضاة. وفيه درس بالظاهرية البرانية الشيخ الامام المقري سيف الدين أبو بكر الحريري عوضا عن بدر الدين الأردبيلي، تركها لما حصلت له الناصرية الجوانية، وبعده بيوم درس بالنجيبية كاتبه إسماعيل ابن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين ابن قاضى الزبدانى تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية، وحضر عنده القضاة والأعيان وكان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه، وكان ذلك في تفسير قوله تعالى ﴿إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ﴾ وانساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل. وفي يوم الأحد رابع عشره ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضى الزبدانى عوضا عن علاء الدين ابن القلانسي توفى، وحضر عنده القضاة والأعيان، وكان يوما مطيرا.