للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشهودا، حتى قيل: إنه أفطر جماعة من الناس من كثرة الزحام وشدة الحر، وقد أوصى أن يكتب على قبره هذه الأبيات:

يا كثير العفو لمن … كثرت الذنوب لديه

جاءك المذنب يرجو الصفح … عن جرم يديه

أنا ضيف وجزاء … الضيف إحسان إليه

وقد كان له من الأولاد الذكور ثلاثة: عبد العزيز - وهو أكبرهم - مات شابا في حياة والده في سنة أربع وخمسين، ثم أبو القاسم على، وقد كان عاقا لوالده إلبا عليه في زمن المحنة وغيرها، وقد تسلط على كتبه في غيبته بواسط فباعها بأبخس الثمن، ثم محيي الدين يوسف، وكان أنجب أولاده وأصغرهم ولد سنة ثمانين ووعظ بعد أبيه، واشتغل وحرر وأتقن وساد أقرانه، ثم باشر حسبة بغداد، ثم صار رسول الخلفاء إلى الملوك بأطراف البلاد، ولا سيما بنى أيوب بالشام، وقد حصل منهم من الأموال والكرامات ما ابتنى به المدرسة الجوزية بالنشابين بدمشق، وما أوقف عليها، ثم حصل له من سائر الملوك أموالا جزيلة، ثم صار أستاذ دار الخليفة المستعصم في سنة أربعين وستمائة، واستمر مباشرها إلى أن قتل مع الخليفة عام هارون تركي بن جنكيزخان، وكان لأبى الفرج عدة بنات منهن رابعة أم سبطه أبى المظفر بن مزعلى صاحب مرآة الزمان، وهي من أجمع التواريخ وأكثرها فائدة، وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات فأثنى عليه وشكر تصانيفه وعلومه.

[العماد الكاتب الأصبهاني]

محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن على بن محمود بن هبة الله بن أله - بتشديد اللام وضمها -، المعروف بالعماد الكاتب الأصبهاني، صاحب المصنفات والرسائل، وهو قرين القاضي الفاضل، واشتهر في زمنه، ومن اشتهر في زمن الفاضل فهو فاضل، ولد بأصبهان في سنة تسع عشرة وخمسمائة، وقدم بغداد فاشتغل بها على الشيخ أبى منصور سعيد بن الرزاز مدرس النظامية، وسمع الحديث ثم رحل إلى الشام فحظي عند الملك نور الدين محمود بن زنكي، وكتب بين يديه وولاه المدرسة التي أنشأها داخل باب الفرج التي يقال لها العماديّة، نسبة إلى سكناه بها وإقامته فيها، وتدريسه بها، لا أنه أنشأها وإنما أنشأها نور الدين محمود، ولم يكن هو أول من درس بها، بل قد سبقه إلى تدريسها غير واحد، كما تقدم في ترجمة نور الدين، ثم صار العماد كاتبا في الدولة الصلاحية وكان الفاضل يثنى عليه ويشكره، قالوا: وكان منطوقه يعتريه جمود وفترة، وقريحته في غاية الجودة والحدة، وقد قال القاضي الفاضل لأصحابه يوما: قولوا فتكلموا وشبهوه في هذه الصفة بصفات فلم يقبلها القاضي، وقال: هو كالزناد ظاهره بارد وداخله نار، وله من المصنفات الجريدة جريدة النصر في شعراء العصر، والفتح القدسي، والبرق السامي وغير ذلك من المصنفات المسجعة، والعبارات المتنوعة

<<  <  ج: ص:  >  >>