للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إكراما وإحسانا زائدا فاجتاز في طريقه بالقدس الشريف فأقام به يوم عرفة والنحر، ثم سلك على طريق غابة أرصوف يصطاد بها فأصابه وعك منعه عن ذلك، فأسرع السير فدخل دمشق من صبيحة يوم الاثنين الحادي والعشرين منه في أبهة هائلة، ورياسة طائلة، وتزايد وخرج العامة للتفرج عليه والنظر إليه في مجيئه هذا، فدخل وعليه قباء معظم ومطرز، وبين يديه ما جرت به العادة من الحوفية والشاليشية وغيرهم، ومن نيته الإحسان إلى الرعية والنظر في أحوال الأوقاف وإصلاحها على طريقة تنكز ، انتهى والله أعلم.

[ثم دخلت سنة اثنتين وستين وسبعمائة]

استهلت هذه السنة المباركة وسلطان الإسلام بالديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك ويلتحق به الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي، ولا نائب له بالديار المصرية، وقضاته بها هم المذكورون في العام الماضي، ووزيره القاضي بن اخصيب ونائب الشام بدمشق الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي، والقضاة والخطيب وبقية الأشراف وناظر الجيش والمحتسب هم المذكورون في العام الماضي، والوزير ابن قزوينة، وكاتب السر القاضي أمين الدين بن القلانسي، ووكيل بيت المال القاضي صلاح الدين الصغدي وهو أحد موقعى الدست الأربعة. وشاد الأوقاف الأمير ناصر الدين بن فضل الله، وحاجب الحجاب اليوسفى، وقد توجه إلى الديار المصرية ليكون بها أمير جنهار، ومتولى البلد ناصر الدين، ونقيب النقباء ابن الشجاعي. وفي صبيحة يوم الإثنين سادس المحرم قدم الأمير على نائب حماة منها فدخل دمشق مجتازا إلى الديار المصرية فنزل في القصر الأبلق ثم تحول إلى دار دويداره يلبغا الّذي جدد فيها مساكن كثيرة بالقصاعين.

وتردد الناس إليه للسلام عليه، فأقام بها إلى صبيحة يوم الخميس تاسعه، فسار إلى الديار المصرية.

وفي يوم الأحد تاسع عشر المحرم أحضر حسن بن الخياط من محلة الشاغور إلى مجلس الحكم المالكي من السجن، وناظر في إيمان فرعون وادعى عليه بدعاوى لانتصاره لفرعون لعنه الله، وصدق ذلك باعترافه أولا ثم بمناظرته في ذلك ثانيا وثالثا، وهو شيخ كبير جاهل عامي ذا نص لا يقيم دليلا ولا يحسنه، وإنما قام في مخيلته شبهة يحتج عليها بقوله إخبارا عن فرعون حين أدركه الغرق، وأحيط به ورأى بأس الله، وعاين عذابه الأليم، فقال حين الغرق إذا ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ قال الله تعالى ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ فاعتقد هذا العامي أن هذا الايمان الّذي صدر من فرعون والحالة هذه ينفعه، وقد قال تعالى ﴿فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ﴾ وقال تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>