وهو المعروف بالهمز والردف، وأنه أخذ العربية عن أبيه واشتغل بحلب على محمد بن عبد الله بن سعد النحويّ، وأخذ عنه أبو القاسم على بن المحسن التنوخي، والخطيب أبو زكريا يحيى بن على التبريزي، وذكر أنه مكث خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم على طريقة الحكماء، وأنه أوصى أن يكتب على قبره:
هذا جناه أبى على … وما جنيت على أحد
قال ابن خلكان: وهذا أيضا متعلق باعتقاد الحكماء، فإنهم يقولون اتخاذ الولد وإخراجه إلى هذا الوجود جناية عليه، لأنه يتعرض للحوادث والآفات. قلت: وهذا يدل على أنه لم يتغير عن اعتقاده، وهو ما يعتقده الحكماء إلى آخر وقت، وأنه لم يقلع عن ذلك كما ذكره بعضهم، والله أعلم بظواهر الأمور وبواطنها، وذكر ابن خلكان أن عينه اليمنى كانت ناتئة وعليها بياض، وعينه اليسرى غائرة، وكان نحيفا ثم أورد من أشعاره الجيدة أبياتا فمنها قوله:
لا تطلبن بآلة لك رتبة … قلم البليغ بغير جد مغزل
سكن السما كان السماء كلاهما … هذا له رمح وهذا أعزل
[الأستاذ أبو عثمان الصابوني]
إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن عامر بن عابد النيسابورىّ، الحافظ الواعظ المفسر، قدم دمشق وهو ذاهب إلى الحج فسمع بها وذكّر الناس، وقد ترجمه ابن عساكر ترجمة عظيمة، وأورد له أشياء حسنة من أقواله وشعره، فمن ذلك قوله:
إذا لم أصب أموالكم ونوالكم … ولم آمل المعروف منكم ولا البرا
وكنتم عبيدا للذي أنا عبده … فمن أجل ماذا أتعب البدن الحرا؟
وروى ابن عساكر عن إمام الحرمين أنه قال: كنت أتردد وأنا بمكة في المذاهب فرأيت النبي ﷺ وهو يقول: عليك باعتقاد أبى عثمان الصابوني. رحمه الله تعالى.
[ثم دخلت سنة خمسين وأربعمائة]
فيها كانت فتنة الخبيث البساسيري، وهو أرسلان التركي، وذلك أن إبراهيم ينال أخا الملك طغرلبك ترك الموصل الّذي كان قد استعمله أخوه عليها، وعدل إلى ناحية بلاد الجبل، فاستدعاه أخوه وخلع عليه وأصلح أمره، ولكن في غضون ذلك ركب البساسيري ومعه قريش بن بدران أمير العرب إلى الموصل فأخذها، وأخرب قلعتها، فسار إليه الملك طغرلبك سريعا فاستردها وهرب منه البساسيري وقريش خوفا منه، فتبعهما إلى نصيبين، وفارقه أخوه إبراهيم، وعصى عليه، وهرب إلى همذان، وذلك بإشارة البساسيري عليه، فسار الملك طغرلبك وراء أخيه وترك عساكره وراءه فتفرقوا وقل من لحقه منهم، ورجعت زوجته الخاتون ووزيره الكندري إلى بغداد، ثم جاء الخبر