باسمه في الأولين والآخرين، وكذلك يرفع قدره ويقيمه مقاما محمودا يوم القيامة، يغبطه به الأولون والآخرون، ويرغب إليه الخلق كلهم حتى إبراهيم الخليل، كما ورد في صحيح مسلم فيما سلف وسيأتي أيضا، فأما التنويه بذكره في الأمم الخالية، والقرون السابقة، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به وليتبعنه ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته العهد والميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتبعنه، وقد بشرت بوجوده الأنبياء حتى كان آخر من بشر به عيسى بن مريم خاتم أنبياء بنى إسرائيل، وكذلك بشرت به الأحبار والرهبان والكهان، كما قدمنا ذلك مبسوطا، ولما كانت ليلة الأسراء رفع من سماء إلى سماء حتى سلم على إدريس ﵇، وهو في السماء الرابعة، ثم جاوزه إلى الخامسة ثم إلى السادسة فسلم على موسى بها، ثم جاوزه إلى السابعة فسلم على إبراهيم الخليل عند البيت المعمور، ثم جاوز ذلك المقام، فرفع لمستوى سمع فيه صريف الأقلام، وجاء سدرة المنتهى ورأى الجنة والنار وغير ذلك من الآيات الكبرى، وصلى بالأنبياء، وشيعه من كلّ مقربوها، وسلم عليه رضوان خازن الجنان، ومالك خازن النار، فهذا هو الشرف، وهذه هي الرفعة، وهذا هو التكريم والتنويه والإشهار والتقديم والعلو والعظمة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين، وأما رفع ذكره في الآخرين، فأن دينه باق ناسخ لكل دين، ولا ينسخ هو أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى يوم الدين، ولا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة، والنداء في كل يوم خمس مرات على كل مكان مرتفع من الأرض: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وهكذا كل خطيب يخطب لا بد أن يذكره في خطبته، وما أحسن قول حسان:
أغر عليه للنبوة خاتم … من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي الى اسمه … إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجلّه … فذو العرش محمود وهذا محمد
وقال الصرصرى ﵀:
ألم تر أنا لا يصح أذاننا … ولا فرضنا إن لم نكرره فيهما