للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ بَعْدَ الْيَمِينِ لَذَّةُ عَيْشٍ ... يَا حَيَاتِي بَانَتْ يَمِينِي فَبِينِي

وَكَانَ يَبْكِي عَلَى يَدِهِ كثيرا ويقول: كتبت بها القرآن مرتين، وخدمت بها ثلاثة من الخلفاء تُقْطَعُ كَمَا تُقْطَعُ أَيْدِيَ اللُّصُوصِ ثُمَّ يُنْشِدُ:

إِذَا مَا مَاتَ بَعْضُكَ فَابْكِ بَعْضًا ... فَإِنَّ البعض من بعض قريب

وقد مات عفا الله عنه فِي مَحْبِسِهِ هَذَا وَدُفِنَ فِي دَارِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ سَأَلَ وَلَدَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ أَنْ يُحَوَّلَ إلى عنده فَأُجِيبَ فَنَبَشُوهُ وَدَفَنَهُ وَلَدُهُ عِنْدَهُ فِي دَارِهِ. ثُمَّ سَأَلَتْ زَوْجَتُهُ الْمَعْرُوفَةُ بِالدِّينَارِيَّةِ أَنْ يُدْفَنَ في دارها فأجيبت إلى ذلك فنبش ودفن عندها. فهذه ثلاث مرات. توفى وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ سِتٌّ وَخَمْسُونَ سَنَةً.

أَبُو بكر ابن الْأَنْبَارِيِّ

مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ بَيَانِ بْنِ سَمَاعَةَ بْنِ فَرْوَةَ بْنِ قَطَنِ بْنِ دِعَامَةَ أَبُو بكر الأنباري، صاحب كتاب الوقف والابتداء، وغيره من الكتب النافعة، والمصنفات الكثيرة. كان من بحور العلم في اللغة والعربية والتفسير والحديث، وَغَيْرِ ذَلِكَ. سَمِعَ الْكَدِيمِيَّ وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي وَثَعْلَبًا وَغَيْرَهُمْ، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقًا أَدِيبًا، دَيِّنًا فَاضِلًا من أهل السنة. كان مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالنَّحْوِ وَالْأَدَبِ، وَأَكْثَرِهِمْ حِفْظًا له، وكان له من المحافيظ مجلدات كثيرة، أحمال جمال وكان لا يأكل إلا النقالى ولا يشرب ماء إلا قريب العصر، مراعاة لذهنه وحفظه، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ مِائَةً وَعِشْرِينَ تَفْسِيرًا، وَحَفِظَ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا فِي لَيْلَةٍ، وَكَانَ يَحْفَظُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ عَشْرَةَ آلَافِ وَرَقَةٍ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ عِيدِ النَّحْرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.

أُمُّ عِيسَى بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، كَانَتْ عَالِمَةً فَاضِلَةً، تُفْتِي فِي الْفِقْهِ. تُوُفِّيَتْ فِي رَجَبٍ ودفنت إلى جانب أبيها رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وعشرين وثلاثمائة

في المنتصف من ربيع الأول كَانَتْ وَفَاةُ الْخَلِيفَةِ الرَّاضِي باللَّه أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُقْتَدِرِ باللَّه جَعْفَرِ بن المعتضد باللَّه أحمد بن الْمُوَفَّقِ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ الْمُعْتَصِمِ بْنِ الرَّشِيدِ الْعَبَّاسِيِّ، اسْتُخْلِفَ بَعْدَ عَمِّهِ الْقَاهِرِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ رُومِيَّةٌ تُسَمَّى ظَلُومَ، كَانَ مَوْلِدُهُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وكانت خِلَافَتُهُ سِتَّ سِنِينَ وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، وعمره يوم مات إحدى وثلاثين سَنَةً وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ. وَكَانَ أَسْمَرَ رَقِيقَ السُّمْرَةِ ذرى اللَّوْنِ أَسْوَدَ الشَّعْرِ سَبْطَهُ، قَصِيرَ الْقَامَةِ، نَحِيفَ الْجِسْمِ، فِي وَجْهِهِ طُولٌ، وَفِي مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ تَمَامٌ، وَفِي شَعْرِهَا رِقَّةٌ. هَكَذَا وَصَفَهُ مَنْ شَاهَدَهُ. قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: كَانَ لِلرَّاضِي فَضَائِلُ كثيرة، وختم الخلفاء في أمور عدة: منها أنه كان آخر خليفة له شعر، وآخرهم انْفَرَدَ بِتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ وَالْأَمْوَالِ، وَآخِرَ خَلِيفَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>