وَيَأْمَنُوا فِي أَوْطَانِهِمْ، وَشَرَعَ النَّاسُ فِي الزِّينَةِ وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ وَنَامَ النَّاسُ فِي الْأَسْطِحَةِ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِيَتَفَرَّجُوا عَلَى السُّلْطَانِ حِينَ يَدْخُلُ الْبَلَدَ، وخرج القضاة، والأمراء والأعيان لتلقيه.
قال كاتبه ابن كثير: وكنت فيمن شاهد دُخُولُهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَسَطَ النَّهَارِ فِي أُبَّهَةٍ عظيمة وبسط له من عند المصلى وعليه أبهة الملك وبسطت الشقاق الحرير تَحْتَ أَقْدَامِ فَرَسِهِ، كُلَّمَا جَاوَزَ شُقَّةً طُوِيَتْ من ورائه، والجد عَلَى رَأْسِهِ وَالْأُمَرَاءُ السِّلِحْدَارِيَّةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ، وَالنَّاسُ يَدْعُونَ لَهُ وَيَضِجُّونَ بِذَلِكَ ضَجِيجًا عَالِيًا، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا. قَالَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ: وَكَانَ عَلَى السُّلْطَانِ يَوْمَئِذٍ عمامة بيضاء، وكلوثة حمراء، وكان الّذي حمل الغاشية على رأس السلطان الْحَاجُّ بَهَادُرُ وَعَلَيْهِ خِلْعَةٌ مُعَظَّمَةٌ مُذَهَّبَةٌ بِفَرْوِ فاخم. وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْقَلْعَةِ نُصِبَ لَهُ الْجِسْرُ ونزل إليه نَائِبُهَا الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ السِّنْجِرِيُّ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ إِنِّي الْآنَ لَا أَنْزِلُ هَاهُنَا، وَسَارَ بِفَرَسِهِ إِلَى جِهَةِ الْقَصْرِ الأبلق والأمراء بين يديه، فخطب لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَفِي بُكْرَةِ يَوْمِ السَّبْتِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ وَصَلَ الْأَمِيرُ جَمَالُ الدِّينِ آقُوشُ الْأَفْرَمُ نَائِبُ دِمَشْقَ مُطِيعًا لِلسُّلْطَانِ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَتَرَجَّلَ لَهُ السُّلْطَانُ وَأَكْرَمَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي مُبَاشَرَةِ النِّيَابَةِ عَلَى عادته، وفرح الناس بطاعة الأفرم له، ووصل إليه أيضا الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قُبْجَقُ نَائِبُ حَمَاةَ، وَالْأَمِيرُ سيف الدين استدمر نَائِبُ طَرَابُلُسَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ شعبان، وخرج الناس لِتَلَقِّيهِمَا، وَتَلَقَّاهُمَا السُّلْطَانُ كَمَا تَلَقَّى الْأَفْرَمَ. وَفِي هَذَا الْيَوْمِ رَسَمَ السُّلْطَانُ بِتَقْلِيدِ قَضَاءِ الْحَنَابِلَةِ وَعَوْدِهِ إِلَى تَقِيِّ الدِّينِ سُلَيْمَانَ، وَهَنَّأَهُ النَّاسُ وجاء إلى السلطان إلى القصر فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَمَضَى إِلَى الْجَوْزِيَّةِ فَحَكَمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَأُقِيمَتِ الْجُمُعَةُ الثَّانِيَةُ بِالْمَيْدَانِ وَحَضَرَ السُّلْطَانُ وَالْقُضَاةُ إِلَى جَانِبِهِ، وَأَكَابِرُ الْأُمَرَاءِ وَالدَّوْلَةِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ. وَفِي هَذَا الْيَوْمِ وَصَلَ إِلَى السُّلْطَانِ الْأَمِيرُ قَرَاسُنْقُرُ الْمَنْصُورِيُّ نَائِبُ حَلَبَ وَخَرَجَ دِهْلِيزُ السُّلْطَانِ يَوْمَ الْخَمِيسِ رَابِعِ رَمَضَانَ وَمَعَهُ الْقُضَاةُ وَالْقُرَّاءُ وَقْتَ الْعَصْرِ، وَأُقِيمَتِ الْجُمُعَةُ خَامِسَ رَمَضَانَ بِالْمَيْدَانِ أَيْضًا، ثُمَّ خَرَجَ السُّلْطَانُ مِنْ دِمَشْقَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ تَاسِعِ رَمَضَانَ، وَفِي صُحْبَتِهِ ابْنُ صَصْرَى وَصَدْرُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ قَاضِي الْعَسَاكِرِ، وَالْخَطِيبُ جَلَالُ الدِّينِ، وَالشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ، وَالْمُوَقِّعُونَ وَدِيوَانُ الْجَيْشِ وَجَيْشُ الشَّامِ بِكَمَالِهِ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ مُدُنِهِ وأقاليمه بنوا به وَأُمَرَائِهِ، فَلَمَّا انْتَهَى السُّلْطَانُ إِلَى غَزَّةَ دَخَلَهَا فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَتَلَقَّاهُ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بهادر هو وَجَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْمَلِكَ الْمُظَفَّرَ قَدْ خَلَعَ نَفْسَهُ مِنَ الْمَمْلَكَةِ، ثُمَّ تَوَاتَرَ قُدُومُ الْأُمَرَاءِ مِنْ مِصْرَ إِلَى السُّلْطَانِ وَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، فَطَابَتْ قُلُوبُ الشَّامِيِّينَ وَاسْتَبْشَرُوا بِذَلِكَ ودقت البشائر وتأخر مجيء البريد بصورة الناصري.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute