وأورد من القرآن آيات هي حجة عليه. وأورد ابن جرير ذلك كله، وأمر نائبة أن يقرأ ذلك على الناس وأن يدعوهم إليه وإلى القول بخلق القرآن، فأحضر أبو إسحاق جماعة من الأئمة وهم أحمد بن حنبل. وقتيبة. وأبو حيان الزيادي. وبشر بن الوليد الكندي. وعلى بن أبى مقاتل. وسعدويه الواسطي. وعلى بن الجعد. وإسحاق بن أبى إسرائيل، وابن الهرش، وابن علية الأكبر، ويحيى ابن عبد الحميد العمرى. وشيخ آخر من سلالة عمر كان قاضيا على الرقة، وأبو نصر التمار، وأبو معمر القطيعي، ومحمد بن حاتم بن ميمون. ومحمد بن نوح الجنديسابوري المضروب، وابن الفرخان، والنضر بن شميل. وأبو على بن عاصم، وأبو العوام البارد، وأبو شجاع، وعبد الرحمن بن إسحاق وجماعة. فلما دخلوا على أبى إسحاق قرأ عليهم كتاب المأمون. فلما فهموه قال لبشر بن الوليد:
ما تقول في القرآن؟ فقال: هو كلام الله. قال: ليس عن هذا أسألك. وإنما أسألك أهو مخلوق؟ قال: ليس بخالق. قال: ولا عن هذا أسألك. فقال: ما أحسن غير هذا. وصمم على ذلك. فقال:
تشهد أن لا إله إلا الله أحدا فردا لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء ولا يشبهه شيء من خلقه في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه؟ قال: نعم! فقال للكاتب: اكتب بما قال. فكتب. ثم امتحنهم رجلا رجلا فأكثرهم امتنع من القول بخلق القرآن، فكان إذا امتنع الرجل منهم امتحنه بالرقعة التي وافق عليها بشر بن الوليد الكندي، من أنه يقال لا يشبهه شيء من خلقه في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه فيقول: نعم كما قال بشر. ولما انتهت النوبة إلى امتحان أحمد بن حنبل فقال له: أتقول إن القرآن مخلوق؟ فقال: القرآن كلام الله لا أزيد على هذا. فقال له: ما تقول في هذه الرقعة؟ فقال أقول ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فقال رجل من المعتزلة: إنه يقول: سميع بأذن بصير بعين. فقال له إسحاق: ما أردت بقولك سميع بصير؟ فقال: أردت منها ما أراده الله منها وهو كما وصف نفسه ولا أزيد على ذلك. فكتب جوابات القوم رجلا رجلا وبعث بها إلى المأمون. وكان من الحاضرين من أجاب إلى القول بخلق القرآن مصانعة مكرها لأنهم كانوا يعزلون من لا يجيب عن وظائفه، وإن كان له رزق على بيت المال قطع، وإن كان مفتيا منع من الإفتاء، وإن كان شيخ حديث ردع عن الأسماع والأداء. ووقعت فتنة صماء ومحنة شنعاء وداهية دهياء فلا حول ولا قوة إلا بالله.
[فصل]
فلما وصلت جوابات القوم إلى المأمون بعث إلى نائبة يمدحه على ذلك ويرد على كل فرد فرد ما قال في كتاب أرسله. وأمر نائبة أن يمتحنهم أيضا فمن أجاب منهم شهر أمره في الناس، ومن لم يجب منهم فابعثه إلى عسكر أمير المؤمنين مقيدا محتفظا به حتى يصل إلى أمير المؤمنين فيرى فيه