للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو النجيب أبو الفتح نصر الله بن أبى طالب الشيباني، مشهورا بالكذب ورقة الدين وغير ذلك، وهو أحد الشهود المقدوح فيهم، ولم يكن بأهل أن يؤخذ عنه، قال وقد أجلسه أحمد بن يحيى الملقب بالصدر ابن سنى الدولة في حال ولايته القضاء بدمشق، فأنشد فيه بعض الشعراء:

جلس الشعيشعة الشقي ليشهدا … تبا لكم، ماذا عدا فيما بدا؟

هل زلزل الزلزال؟ أم قد خرج الدجال … أم عدم الرجال ذوو الهدى؟

عجبا لمحلول العقيدة جاهل … بالشرع قد أذنوا له أن يقعدا

قال أبو شامة: في سنة سبع وخمسين وستمائة مات شخص زنديق يتعاطى الفلسفة والنظر في علم الأوائل، وكان يسكن مدارس المسلمين، وقد أفسد عقائد جماعة من الشبان المشتغلين فيما بلغني، وكان أبوه يزعم أنه من تلامذة ابن خطيب الري الرازيّ صاحب المصنفات. حية ولد حية.

[ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وستمائة]

استهلت هذه السنة بيوم الخميس وليس للناس خليفة، وملك العراقين وخراسان وغيرها من بلاد المشرق للسلطان هولاكوخان ملك التتار، وسلطان ديار مصر الملك المظفر سيف الدين قطز، مملوك المعز أيبك التركماني، وسلطان دمشق وحلب الملك الناصر بن العزيز بن الظاهر، وبلاد الكرك والشوبك للملك المغيث بن العادل بن الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب، وهو حرب مع الناصر صاحب دمشق على المصريين، ومعهما الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري، وقد عزموا على قتال المصريين وأخذ مصر منهم. وبينما الناس على هذه الحال وقد تواترت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام إذ دخل جيش المغول صحبة ملكهم هولاكوخان وجازوا الفرات على جسور عملوها، ووصلوا إلى حلب في ثانى صفر من هذه السنة، فحاصروها سبعة أيام ثم افتتحوها بالأمان، ثم غدروا بأهلها وقتلوا منهم خلقا لا يعلمهم إلا الله ﷿، ونهبوا الأموال، وسبوا النساء والأطفال، وجرى عليهم قريب مما جرى على أهل بغداد، ﴿فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ﴾ ﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً﴾، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. وامتنعت عليهم القلعة شهرا ثم استلموها بالأمان، وخرب أسوار البلد وأسوار القلعة وبقيت حلب كأنها حمار أجرب، وكان نائبها الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين وكان عاقلا حازما، لكنه لم يوافقه الجيش على القتال، ﴿وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً﴾. وقد كان أرسل هولاكو يقول لأهل حلب: نحن إنما جئنا لقتال الملك الناصر بدمشق، فاجعلوا لنا عندكم شحنة، فان كانت النصرة لنا فالبلاد كلها في حكمنا، وإن كانت علينا فان شئتم قبلتم الشحنة وإن شئتم أطلقتموه. فأجابوه مالك عندنا إلا السيف، فتعجب من ضعفهم وجوابهم، فزحف حينئذ إليهم وأحاط بالبلد، وكان ما كان بقدر الله سبحانه. ولما فتحت حلب أرسل صاحب حماه بمفاتيحها إلى هولاكو، فاستناب عليها

<<  <  ج: ص:  >  >>