الآن أصحاب ينسبون إليه ويغالون فيه ويغلون. وقد كان الحلاج في عبارته حلو المنطق، وله شعر على طريقة الصوفية. قُلْتُ: لَمْ يَزَلِ النَّاسُ مُنْذُ قُتِلَ الْحَلَّاجُ مُخْتَلِفِينَ فِي أَمْرِهِ، فَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَحُكِيَ عَنْ غير واحد من العلماء والأئمة إجماعهم على قتله، وأنه قتل كافرا، وكان كافرا ممخرقا مموها مشعبذا، وبهذا قال أكثر الصوفية فيه. وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَجْمَلُوا الْقَوْلَ فِيهِ، وغرّهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه ولا باطن قوله، فإنه كَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ فِيهِ تَعْبُدٌ وَتَأَلُّهٌ وسلوك، ولكن لم يمكن له علم ولا بنى أمره وحاله على تقوى من الله ورضوان. فلهذا كان ما يفسده أكثر مما يصلحه. وقال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ:
وصح أنه دخل إلى الهند وتعلم بها السحر وقال: أدعو به إلى الله، وكان أهل الهند يكاتبونه بالمغيث- أي أنه من رجال الغيث- ويكاتبه أهل سركسان بِالْمُقِيتِ. وَيُكَاتِبُهُ أَهْلُ خُرَاسَانَ بِالْمُمَيِّزِ، وَأَهْلُ فَارِسَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدِ. وَأَهْلُ خُوزَسْتَانَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدِ حَلَّاجِ الْأَسْرَارِ. وَكَانَ بَعْضُ الْبَغَادِدَةِ حِينَ كَانَ عِنْدَهُمْ يَقُولُونَ لَهُ: الْمُصْطَلِمُ. وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ يَقُولُونَ لَهُ: الْمُحَيِّرُ، وَيُقَالُ إِنَّمَا سَمَّاهُ الْحَلَّاجَ أَهْلُ الْأَهْوَازِ لِأَنَّهُ كَانَ يُكَاشِفُهُمْ عن ما في ضمائرهم، وقيل لأنه مرة قَالَ لِحَلَّاجٍ: اذْهَبْ لِي فِي حَاجَةِ كَذَا وكذا، فقال: إني مشغول بالحلج، فقال: اذهب فأنا أحلج عَنْكَ، فَذَهَبَ وَرَجَعَ سَرِيعًا فَإِذَا جَمِيعُ مَا فِي ذَلِكَ الْمَخْزَنِ قَدْ حَلَجَهُ، يُقَالُ إِنَّهُ أَشَارَ بِالْمِرْوَدِ فَامْتَازَ الْحَبُّ عَنِ الْقُطْنِ، وَفِي صحة هذا ونسبته إليه نظر، وإن كان قد جرى مثل هذا، فالشياطين تعين أصحابها ويستخدمونهم. وَقِيلَ لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ حَلَّاجًا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَا حُلُولٍ فِي بَدْءِ أمره أشياء كثيرة، منها شعره في ذلك فمن ذلك قوله: