للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبيه وسار سيرته، ومالأ الفرنج على المسلمين وهمّ بتسليم البلد والأموال إليهم فقتلوه، وتملك أخوه وذلك بعد مراجعتها ومساعدتها، وقد كانت قرأت القرآن، وسمعت الحديث، وكانت حنفية المذهب تحب العلماء والصالحين، وقد تزوجها الاتابكى زنكي صاحب حلب طمعا في أن يأخذ بسببها دمشق فلم يظفر بذلك، بل ذهبت إليه إلى حلب ثم عادت إلى دمشق بعد وفاته، وقد دخلت بغداد وسارت من هناك إلى الحجاز، وجاورت بمكة سنة، ثم جاءت فأقامت بالمدينة النبويّة حتى ماتت بها ودفنت بالبقيع في هذه السنة، وقد كانت كثيرة البر والصدقات والصلاة والصوم، قال السبط ولم تمت حتى قل ما بيدها، وكانت تغربل القمح والشعير وتتقوت بأجرته، وهذا من تمام الخير والسعادة وحسن الخاتمة رحمها الله تعالى، والله أعلم.

[ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وخمسمائة]

فيها مات صاحب المغرب عبد المؤمن بن على التومرتي، وخلفه في الملك من بعده ابنه يوسف وحمل أباه إلى مراكش على صفة أنه مريض، فلما وصلها أظهر موته فعزاه الناس وبايعوه على الملك من بعد أبيه، ولقبوه أمير المؤمنين، وقد كان عبد المؤمن هذا حازما شجاعا، جوادا معظما للشريعة، وكان من لا يحافظ على الصلوات في زمانه يقتل، وكان إذا أذن المؤذن وقبل الأذان يزدحم الخلق في المساجد، وكان حسن الصلاة ذا طمأنينة فيها، كثير الخشوع، ولكن كان سفاكا للدماء، حتى على الذنب الصغير، فأمره إلى الله يحكم فيه بما يشاء. وفيها قتل سيف الدين محمد بن علاء الدين الغزى، قتله الغز، وكان عادلا. وفيها كبست الفرنج نور الدين وجيشه فانهزم المسلمون لا يلوى أحد على أحد، ونهض الملك نور الدين فركب فرسه والشبحة في رجله فنزل رجل كردى فقطعها فسار نور الدين فنجا، وأدركت الفرنج ذلك الكردي فقتلوه ، فأحسن نور الدين إلى ذريته، وكان لا ينسى ذلك له. وفيها أمر الخليفة باجلاء بنى أسد عن الحلة وقتل من تخلف منهم، وذلك لإفسادهم ومكاتبتهم السلطان محمد شاه، وتحريضهم له على حصار بغداد، فقتل من بنى أسد أربعة آلاف، وخرج الباقون منها، وتسلم نواب الخليفة الحلة. وحج بالناس فيها الأمير برغش الكبير.

[وممن توفى فيها من الأعيان]

السلطان الكبير.

[أبو محمد عبد المؤمن بن على]

القيسي الكوفي تلميذ ابن التومرت، كان أبوه يعمل في الطين فاعلا، فحين وقع نظر ابن التومرت عليه أحبه وتفرس فيه أنه شجاع سعيد، فاستصحبه فعظم شأنه، والتفت عليه العساكر التي جمعها ابن التومرت من المصامدة وغيرهم، وحاربوا صاحب مراكش على بن يوسف بن تاشفين، ملك الملثمين، واستحوذ عبد المؤمن على وهران وتلمسان وفاس وسلا وسبتة، ثم حاصر مراكش أحد

<<  <  ج: ص:  >  >>