اختيار موسى بن عقبة والواقدي والبيهقي وحكاه ابن هشام عن الزهري. قال البيهقي ﵀: إنه اختلف أهل المغازي في فرارهم وانحيازهم، فمنهم من ذهب الى ذلك ومنهم من زعم أن المسلمين ظهروا على المشركين وأن المشركين انهزموا. قال
وحديث أنس بن مالك عن النبي ﷺ «ثم أخذها خالد ففتح الله عليه» يدل على ظهورهم عليهم والله أعلم.
قلت: وقد ذكر ابن إسحاق أن قطبة بن قتادة العذري - وكان رأس ميمنة المسلمين - حمل على مالك بن زافلة ويقال رافلة. وهو أمير أعراب النصارى فقتله وقال يفتخر بذلك:
طعنت ابن رافلة بن الإراش … برمح مضى فيه ثم انحطم
ضربت على جيدة ضربة … فمال كما مال غصن السلم
وسقنا نساء بنى عمه … غداة رقوقين سوق النعم
وهذا يؤيد ما نحن فيه لأن من عادة أمير الجيش إذا قتل أن يفر أصحابه، ثم إنه صرح في شعره بأنهم سبوا من نسائهم وهذا واضح فيما ذكرناه والله اعلم. واما ابن إسحاق فإنه ذهب الى أنه لم يكن الا المخاشاة والتخلص من أيدي الروم وسمى هذا نصرا وفتحا أي باعتبار ما كانوا فيه من إحاطة العدو بهم وتراكمهم وتكاثرهم وتكاثفهم عليهم، فكان مقتضى العادات أن يصطلحوا بالكلية، فلما تخلصوا منهم وانحازوا عنهم كان هذا غاية المرام في هذا المقام وهذا متحمل لكنه خلاف الظاهر من
قوله ﵊ «ففتح الله عليهم» والمقصود أن ابن إسحاق يستدل على ما ذهب اليه فقال: وقد قال فيما كان أمر الناس وأمر خالد بن الوليد ومخاشاته بالناس وانصرافه بهم قيس بن المحسر اليعمري يعتذر مما صنع يومئذ وصنع الناس يقول:
فو الله لا تنفك نفسي تلومني … على موقفي والخيل قابعة قبل
وقفت بها لا مستجيزا فنافذا … ولا مانعا من كان حم له القتل
على أننى آسيت نفسي بخالد … ألا خالد في القوم ليس له مثل
وجاشت الىّ النفس من نحو جعفر … بمؤتة إذ لا ينفع النابل النبل
وضم إلينا حجزتيهم كليهما … مهاجرة لا مشركون ولا عذل
قال ابن إسحاق: فبين قيس ما اختلف فيه الناس من ذلك في شعره أن القوم جاحزوا وكرهوا الموت، وحقق انحياز خالد بمن معه. قال ابن هشام: واما الزهري فقال - فيما بلغنا عنه - أمرّ المسلمون عليهم خالد بن الوليد ففتح الله عليهم، وكان عليهم حتى رجع الى المدينة.
[فصل]
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبى بكر عن أم عيسى الخزاعية عن أم جعفر بنت محمد بن