في السابع والعشرين من المحرم بالقصر الأبلق، وكان ذلك يوما عظيما على الأمراء، وحضر نائب السلطنة عز الدين أيدمر وكبار الأمراء والدولة، فصلوا عليه سرا وجعلوه في تابوت ورفعوه إلى القلعة من السور وجعلوه في بيت من بيوت البحرية إلى أن نقل إلى تربته التي بناها ولده له بعد موته، وهي دار العقيقي تجاه العادلية الكبيرة، ليلة الجمعة خامس رجب من هذه السنة، وكتم موته فلم يعلم جمهور الناس به حتى إذا كان العشر الأخير من ربيع الأول، وجاءت البيعة لولده السعيد من مصر فحزن الناس عليه حزنا شديدا، وترحموا عليه ترحما كثيرا، وجددت البيعة أيضا بدمشق وجاء تقليد النيابة بالشام مجددا إلى عز الدين أيدمر نائبها.
وقد كان الملك الظاهر شهما شجاعا عالى الهمة بعيد الغور مقداما جسورا معتنيا بأمر السلطنة، يشفق على الإسلام، متحليا بالملك، له قصد صالح في نصرة الإسلام وأهله، وإقامة شعار الملك، واستمرت أيامه من يوم الأحد سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين إلى هذا الحين، ففتح في هذه المدة فتوحات كثيرة قيسارية وأرسون ويافا والشقيف وأنطاكية وبعراض وطبرية والقصير وحصن الأكراد وحصن عكا والغرين وصافينا وغير ذلك من الحصون المنيعة التي كانت بأيدي الفرنج، ولم يدع مع الإسماعيلية شيئا من الحصون، وناصف الفرنج على المرقب، وبانياس وبلاد أنطرسوس، وسائر ما بقي بأيديهم من البلاد والحصون، وولى في نصيبه مما ناصفهم عليه النواب والعمال وفتح قيسارية من بلاد الروم، وأوقع بالروم والمغول على البلستين بأسا لم يسمع بمثله من دهور متطاولة، واستعاد من صاحب سيس بلادا كثيرة، وجاس خلال ديارهم وحصونهم، واسترد من أيدي المتغلبين من المسلمين بعلبكّ وبصرى وصرخد وحمص وعجلون والصلت وتدمر والرحبة وتل باشر وغيرها، والكرك والشوبك، وفتح بلاد النوبة بكمالها من بلاد السودان، وانتزع بلادا من التتار كثيرة، منها شيرزور والبيرة، واتسعت مملكته من الفرات إلى أقصى بلاد النوبة، وعمر شيئا كثيرا من الحصون والمعاقل والجسور على الأنهار الكبار، وبنى دار الذهب بقلعة الجبل، وبنى قبة على اثنى عشر عمودا ملونة مذهبة، وصور فيها صور خاصكيته وأشكالهم، وحفر أنهارا كثيرة وخلجانات ببلاد مصر، منها نهر السرداس، وبنى جوامع كثيرة ومساجد عديدة، وجدد بناء مسجد رسول الله ﷺ حين احترق، ووضع الدرابزينات حول الحجرة الشريفة، وعمل فيه منبرا وسقفه بالذهب، وجدد المارستان بالمدينة، وجدد قبر الخليل ﵇، وزاد في زاويته وما يصرف إلى المقيمين، وبنى على المكان المنسوب إلى قبر موسى ﵇ قبة قبلي أريحا، وجدد بالقدس أشياء حسنة من ذلك قبة السلسلة، ورمم سقف الصخرة وغيرها، وبنى بالقدس خانا هائلا بماملاّ، ونقل إليه باب قصر الخلفاء الفاطميين من مصر، وعمل فيه طاحونا وفرنا