للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وورعهم ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ أي في دخوله اليها ﴿وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً﴾ أي ان عدتم في ملتهم بعد إذ أنقذكم الله منها وهذا كله لظنهم انهم رقدوا يوما أو بعض يوم أو أكثر من ذلك ولم يحسبوا انهم قد رقدوا أزيد من ثلاثمائة سنة وقد تبدلت الدول أطوارا عديدة وتغيرت البلاد ومن عليها وذهب أولئك القرن الذين كانوا فيهم وجاء غيرهم وذهبوا وجاء غيرهم ولهذا لما خرج أحدهم وهو تيذوسيس (١) فيما قيل وجاء الى المدينة متنكرا لئلا يعرفه أحد من قومه فيما يحسبه تنكرت له البلاد واستنكره من يراه من أهلها واستغربوا شكله وصفته ودراهمه فيقال انهم حملوه الى متوليهم وخافوا من أمره أن يكون جاسوسا أو تكون له صولة يخشون من مضرتها فيقال انه هرب منهم ويقال بل أخبرهم خبره ومن معه وما كان من أمرهم فانطلقوا معه ليريهم مكانهم فلما قربوا من الكهف دخل الى إخوانه فأخبرهم حقيقة أمرهم ومقدار ما رقدوا فعلموا أن هذا أمر قدره الله فيقال انهم استمروا راقدين ويقال بل ماتوا بعد ذلك.

وأما أهل البلدة فيقال انهم لم يهتدوا الى موضعهم من الغار وعمى الله عليهم أمرهم ويقال لم يستطيعوا دخوله حسا (٢) ويقال مهابة لهم.

واختلفوا في أمرهم فقائلون يقولون ﴿اِبْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً﴾ أي سدوا عليهم باب الكهف لئلا يخرجوا أو لئلا يصل اليهم ما يؤذيهم وآخرون وهم الغالبون على أمرهم قالوا ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾ أي معبدا يكون مباركا لمجاورته هؤلاء الصالحين. وهذا كان شائعا فيمن كان قبلنا فاما في شرعنا فقد ثبت

في الصحيحين عن رسول الله أنه قال (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يخذر ما فعلوا وأما قوله ﴿وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها﴾ فمعنى أعثرنا أطلعنا على أمرهم الناس. قال كثير من المفسرين ليعلم الناس أن المعاد حق وان الساعة لا ريب فيها إذا علموا أن هؤلاء القوم رقدوا أزيد من ثلاثمائة سنة ثم قاموا كما كانوا من غير تغير منهم فان من أبقاهم كما هم قادر على اعادة الأبدان وان أكلتها الديدان وعلى إحياء الأموات وان صارت أجسامهم وعظامهم رفاتا وهذا مما لا يشك فيه المؤمنون ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. هذا ويحتمل عود الضمير في قوله ليعلموا الى أصحاب الكهف إذ علمهم بذلك من أنفسهم ابلغ من علم غيرهم بهم ويحتمل أن يعود على الجميع والله أعلم. ثم قال تعالى ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ فذكر اختلاف الناس في كميتهم فحكى ثلاثة أقوال وضعف الأولين وقرر الثالث فدل على انه الحق إذ لو قيل غير ذلك لحكاه ولو لم يكن هذا الثالث هو الصحيح


(١) كذا بالأصول والّذي في ابن جرير أن اسمه يمليخا وان تيذوسيس فهو اسم الملك الّذي كان على المدينة حين قيامهم من رقدتهم انتهى محمود الامام.
(٢) كذا بالأصول ولعله جبنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>