وَخَرَجَ مَعَهُ جَمَاعَةُ الْأَشْرَافِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ لِعَمَّارٍ فَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ. فَبَعَثَ عُثْمَانُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى عَمَّارٍ لِيُحَرِّضَهُ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَ عَلِيٍّ إِلَيْهِمْ، فَأَبَى عَمَّارٌ كُلَّ الْإِبَاءِ، وَامْتَنَعَ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، وكان متعصبا على عثمان بسبب تأديبه له فيما تقدم عَلَى أَمْرٍ وَضَرْبِهِ إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ شَتْمِهِ عَبَّاسَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَأَدَّبَهُمَا عُثْمَانُ، فَتَآمَرَ عَمَّارٌ عَلَيْهِ لِذَلِكَ، وَجَعَلَ يُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَيْهِ، فَنَهَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ ذَلِكَ وَلَامَهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ وَلَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يَنْزِعْ، فَانْطَلَقَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَيْهِمْ وَهُمْ بِالْجُحْفَةِ، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَهُ وَيُبَالِغُونَ فِي أَمْرِهِ، فَرَدَّهُمْ وَأَنَّبَهُمْ وَشَتَمَهُمْ، فَرَجَعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ، وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي تُحَارِبُونَ الْأَمِيرَ بِسَبَبِهِ، وَتَحْتَجُّونَ عَلَيْهِ بِهِ. وَيُقَالُ إِنَّهُ نَاظَرَهُمْ فِي عُثْمَانَ، وَسَأَلَهُمْ مَاذَا يَنْقِمُونَ عَلَيْهِ، فَذَكَرُوا أَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّهُ حَمَى الْحِمَى، وَأَنَّهُ حَرَقَ الْمَصَاحِفَ، وَأَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، وأنه ولى الاحداث، اعطى الولايات وترك الصحابة الأكابر وأنه أعطى بَنِي أُمَيَّةَ أَكْثَرَ- مِنَ النَّاسِ. فَأَجَابَ عَلِيٌّ عن ذلك: أما الحمى فأنما حماه لا بل الصَّدَقَةِ لِتَسْمَنَ، وَلَمْ يَحْمِهِ لِإِبِلِهِ وَلَا لِغَنَمِهِ وَقَدْ حَمَاهُ عُمَرُ مِنْ قَبْلِهِ. وَأَمَّا الْمَصَاحِفُ فَإِنَّمَا حَرَقَ مَا وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَأَبْقَى لَهُمُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا إِتْمَامُهُ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تَأَهَّلَ بِهَا وَنَوَى الْإِقَامَةَ فَأَتَمَّهَا، وَأَمَّا تَوْلِيَتُهُ الْأَحْدَاثَ فَلَمْ يُوَلِّ إِلَّا رَجُلًا سَوِيًّا عَدْلًا، وَقَدْ وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أُسِيدٍ عَلَى مَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَوَلَّى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. وَطَعَنَ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ فقال انه لخليق بالإمارة وَأَمَّا إِيثَارُهُ قَوْمَهُ بَنِي أُمَيَّةَ. فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِرُ قريشا على الناس، وو الله لَوْ أَنَّ مِفْتَاحَ الْجَنَّةِ بِيَدِي لَأَدْخَلْتُ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَيْهَا. وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فِي عَمَّارٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ عُثْمَانُ عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَقَامَ فِيهِمَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا. وَعَتَبُوا عَلَيْهِ فِي إِيوَائِهِ الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، وَقَدْ نَفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ، فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ نَفَاهُ إِلَى الطَّائِفِ ثُمَّ رَدَّهُ، ثُمَّ نَفَاهُ إِلَيْهَا، قَالَ فَقَدْ نَفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَدَّهُ، وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ خَطَبَ النَّاسَ بِهَذَا كُلِّهِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَجَعَلَ يَسْتَشْهِدُ بِهِمْ فَيَشْهَدُونَ لَهُ فِيمَا فِيهِ شَهَادَةٌ لَهُ. وَيُرْوَى أَنَّهُمْ بَعَثُوا طَائِفَةً مِنْهُمْ فَشَهِدُوا خُطْبَةَ عُثْمَانَ هَذِهِ، فَلَمَّا تَمَهَّدَتِ الْأَعْذَارُ وَانْزَاحَتْ عِلَلُهُمْ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شُبْهَةٌ، أَشَارَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ على عثمان بتأديبهم فصفح عنهم، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَرَدَّهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ فَرَجَعُوا خَائِبِينَ مِنْ حَيْثُ أَتَوْا، وَلَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمَّا كَانُوا أَمَّلُوا وَرَامُوا، وَرَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَخْبَرَهُ بِرُجُوعِهِمْ عَنْهُ، وَسَمَاعِهِمْ مِنْهُ، وَأَشَارَ عَلَى عُثْمَانَ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ خُطْبَةً يَعْتَذِرُ إِلَيْهِمْ فِيهَا مِمَّا كَانَ وَقَعَ مِنَ الْأَثَرَةِ لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ، وَيُشْهِدُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ تَابَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَابَ إِلَى الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سِيرَةِ الشَّيْخَيْنِ قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَحِيدُ عَنْهَا، كَمَا كَانَ الْأَمْرُ أَوَّلًا فِي مُدَّةِ سِتِّ سِنِينَ الْأُوَلِ، فَاسْتَمَعَ عُثْمَانُ هَذِهِ النَّصِيحَةَ، وَقَابَلَهَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَخَطَبَ النَّاسَ، رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، وَقَالَ اللَّهمّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute