وكان الّذي في يده البصرة من الطالبيين زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين ابن على، ويقال له زيد النار، لكثرة ما حرق من البيوت التي للمسودة، فأسره على بن سعيد وأمنه وبعث به وبمن معه من القواد إلى اليمن لقتال من هناك من الطالبيين.
وفيها خرج باليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على، ويقال له الجزار لكثرة من قتل من أهل اليمن، وأخذ من أموالهم. وهو الّذي كان بمكة وفعل فيها ما فعل كما تقدم، فلما بلغة قتل أبى السرايا هرب إلى اليمن، فلما بلغ نائب اليمن خبره ترك اليمن وسار إلى خراسان واجتاز بمكة وأخذ أمه منها. واستحوذ إبراهيم هذا على بلاد اليمن وجرت حروب كثيرة يطول ذكرها، ورجع محمد بن جعفر العلويّ عما كان بزعمه، وكان قد ادعى الخلافة بمكة، وقال: كنت أظن أن المأمون قد مات وقد تحققت حياته، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه مما كنت ادعيت من ذلك، وقد رجعت إلى الطاعة وأنا رجل من المسلمين. ولما هزم هرثمة أبا السرايا ومن كان معه من ولاة الخلافة وهو محمد بن محمد وشى بعض الناس إلى المأمون أن هرثمة راسل أبا السرايا وهو الّذي أمره بالظهور، فاستدعاه المأمون إلى مرو فأمر به فضرب بين يديه ووطئ بطنه ثم رفع إلى الحبس ثم قتل بعد ذلك بأيام، وانطوى خبره بالكلية. ولما وصل خبر قتله إلى بغداد عبثت العامة والحربية بالحسن ابن سهل نائب العراق وقالوا: لا نرضى به ولا بعماله ببلادنا، وأقاموا إسحاق بن موسى المهدي نائبا، واجتمع أهل الجانبين على ذلك، والتفت على الحسن بن سهل جماعة من الأمراء والأجناد، وأرسل من وافق العامة على ذلك من الأمراء يحرضهم على القتال، وجرت الحروب بينهم ثلاثة أيام في شعبان من هذه السنة. ثم اتفق الحال على أن يعطيهم شيئا من أرزاقهم ينفقونها في شهر رمضان، فما زال يمطلهم إلى ذي القعدة حتى يدرك الزرع، فخرج في ذي القعدة زيد بن موسى الّذي يقال له زيد النار، وهو أخو أبى السرايا، وقد كان خروجه هذه المرة بناحية الأنبار، فبعث إليه على بن هشام نائب بغداد عن الحسن بن سهل والحسن بالمدائن إذ ذاك فأخذ وأتى به إلى على ابن هشام، وأطفأ الله ثائرته.
وبعث المأمون في هذه السنة يطلب من بقي من العباسيين، وأحصى كم العباسيون فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا، ما بين ذكور وأناث. وفيها قتلت الروم ملكهم اليون، وقد ملكهم سبع سنين، وملكوا عليهم ميخائيل نائبة. وفيها قتل المأمون يحيى بن عامر بن إسماعيل، لأنه قال للمأمون:
يا أمير الكافرين. فقتل صبرا بين يديه. وفيها حج بالناس محمد بن المعتصم بن هارون الرشيد.