في البر وفي دجلة، وتفاقم الحال جدا، مع ما الناس فيه من الغلاء والوباء والفناء. ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. ثم إن الخليفة وابن رائق انهزما في جمادى الآخرة - ومع الخليفة ابنه منصور - في عشرين فارسا، فقصدوا نحو الموصل، واستحوذ أبو الحسين على دار الخلافة وقتل من وجد فيها من الحاشية، ونهبوها حتى وصل النهب إلى الحريم، ولم يتعرضوا للقاهر وهو إذ ذاك أعمى مكفوفا، وأخرجوا كورتكين من الحبس، فبعثه أبو الحسين إلى البريدي، فكان آخر العهد به، ونهبوا بغداد جهارا علانية، ونزل أبو الحسين بدار مؤنس الخادم التي كان يسكنها ابن رائق، وكانوا يكبسون الدور ويأخذون ما فيها من الأموال، فكثر الجور وغلت الأسعار جدا، وضرب أبو الحسين المكس على الحنطة والشعير، وذاق أهل بغداد لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. وكان معه طائفة كبيرة من القرامطة فأفسدوا في البلد فسادا عظيما، ووقع بينهم وبين الأتراك حروب طويلة شديدة، فغلبهم الترك وأخرجوهم من بغداد، فوقعت الحرب بين العامة والديلم جند أبى الحسين. وفي شعبان منها اشتد الحال أيضا ونهبت المساكن وكبس أهلها ليلا ونهارا، وخرج جند البريدي فنهبوا الغلات من القرى والحيوانات، وجرى ظلم لم يسمع بمثله. قال ابن الأثير: وإنما ذكرنا هذا ليعلم الظلمة أن أخبارهم الشنيعة تنقل وتبقى بعدهم على وجه الأرض وفي الكتب، ليذكروا بها ويذموا ويعابوا، ذلك لهم خزي في الدنيا وأمرهم إلى الله لعلهم أن يتركوا الظلم لهذا إن لم يتركوه لله. وقد كان الخليفة أرسل وهو ببغداد إلى ناصر الدولة بن حمدان نائب الموصل يستمده ويستحثه على البريدي، فأرسل ناصر الدولة أخاه سيف الدولة عليا في جيش كثيف، فلما كان بتكريت إذا الخليفة وابن رائق قد هربا فرجع معهما سيف الدولة إلى أخيه، وخدم سيف الدولة الخليفة خدمة كثيرة. ولما صلوا إلى الموصل خرج عنها ناصر الدولة فنزل شرقها، وأرسل التحف والضيافات، ولم يجئ إلى الخليفة خوفا من الغائلة من جهة ابن رائق، فأرسل الخليفة ولده أبا منصور ومعه ابن رائق للسلام على ناصر الدولة، فصارا إليه فأمر ناصر الدولة أن ينثر الذهب والفضة على رأس ولد الخليفة، وجلسا عنده ساعة، ثم قاما ورجعا، فركب ابن الخليفة وأراد ابن رائق أن يركب معه، فقال له ناصر الدولة: اجلس اليوم عندي حتى نفكر فيما نصنع في أمرنا هذا، فاعتذر إليه بابن الخليفة واستراب بالأمر وخشي، فقبض ابن حمدان بكمه فجبذه ابن رائق منه فانقطع كمه، وركب سريعا فسقط عن فرسه فأمر ناصر الدولة بقتله فقتل، وذلك يوم الاثنين لسبع بقين من رجب منها. فأرسل الخليفة إلى ابن حمدان فاستحضره وخلع عليه ولقبه ناصر الدولة يومئذ، وجعله أمير الأمراء، وخلع على أخيه أبى الحسن ولقبه سيف الدولة يومئذ، ولما قتل ابن رائق وبلغ خبر مقتله إلى صاحب مصر الإخشيد محمد بن طغج ركب إلى دمشق فتسلمها من محمد بن يزداد نائب ابن رائق ولم ينتطح فيها عنزان. ولما بلغ خبر مقتله إلى بغداد فارق