له الخير في معاده وقد قال الله في كتابه: ﴿وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾. وقال تعالى: ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ﴾. وعن الوضاح بن معبد الطائي قال: وفد حاتم الطائي على النعمان ابن المنذر فأكرمه وأدناه ثم زوده عند انصرافه جملين ذهبا وورقا غير ما أعطاه من طرائف بلده فرحل، فلما أشرف على أهله تلقته أعاريب طيِّئ. فقالت: يا حاتم أتيت من عند الملك وأتينا من عند أهالينا بالفقر فقال: حاتم هلم فخذوا ما بين يدي فتوزعوه فوثبوا الى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه. فخرجت الى حاتم طريفة جاريته فقالت له اتّق الله وأبق على نفسك، فما يدع هؤلاء دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا. فأنشأ يقول:
قالت طريفة ما تبقى دراهمنا … وما بنا سرف فيها ولا خرق
إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا … ممن سوانا ولسنا نحن نرتزق
ما يألف الدرهم الكاري خرقتنا … الا يمر عليها ثم ينطلق
إنا إذا اجتمعت يوما دراهمنا … ظلت الى سبل المعروف تستبق
وقال أبو بكر بن عياش: قيل لحاتم هل في العرب أجود منك. فقال: كل العرب أجود منى ثم انشأ يحدث. قال: نزلت على غلام من العرب يتيم ذات ليلة وكانت له مائة من الغنم فذبح لي شاة منها وأتاني بها فلما قرب الى دماغها قلت: ما أطيب هذا الدماغ قال فذهب فلم يزل يأتينى منه حتى قلت قد اكتفيت، فلما أصبحت إذا هو قد ذبح المائة شاة وبقي لا شيء له؟ فقيل فما صنعت به فقال: ومتى أبلغ شكره ولو صنعت به كل شيء. قال: على كل حال فقال أعطيته مائة ناقة من خيار ابلى. وقال محمد بن جعفر الخرائطى في كتاب مكارم الأخلاق حدثنا العباس بن الفضل الربعي حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثني حماد الراوية ومشيخة من مشيخة طيِّئ. قالوا: كانت عنترة (١) بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس أم حاتم طيِّئ لا تمسك شيئا سخاء وجودا، وكان اخوتها يمنعونها فتأبى وكانت امرأة موسرة فحبسوها في بيت سنة يطعمونها قوتها لعلها تكف عما تصنع. ثم أخرجوها بعد سنة وقد ظنوا أنها قد تركت ذلك الخلق فدفعوا اليها صرمة من مالها وقالوا استمتعى بها، فأتتها امرأة من هوازن وكانت تغشاها فسألتها فقالت: دونك هذه الصرمة فقد والله مسنى من الجوع ما آليت ان لا أمنع سائلا ثم أنشأت تقول:
لعمري لقد ما عضنى الجوع عضة … فآليت ان لا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائمى اليوم أعفنى … وان أنت لم تفعل فعض الاصابعا
فماذا عساكم ان تقولوا لاختكم … سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
وماذا ترون اليوم إلا طبيعة … فكيف بتركى يا ابن أمي الطبائعا
(١) كذا في الأصل. وفي مكارم الأخلاق للخرائطى: غنية بنت عفيف.