تبتروهم فقد بقي منهم رءوس يجمعون لكم، فأمر رسول الله ﷺ وبهم أشد القرح - بطلب العدوّ ليسمعوا بذلك وقال: لا ينطلقنّ معى إلا من شهد القتال. فقال عبد الله بن أبىّ: أنا راكب معك. فقال لا، فاستجابوا لله ولرسوله على الّذي بهم من البلاء فانطلقوا. فقال الله في كتابه:
﴿الَّذِينَ اِسْتَجابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاِتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ قال وأذن رسول الله ﷺ لجابر حين ذكر أن أباه أمره بالمقام في المدينة على أخواته، قال وطلب رسول الله ﷺ العدو حتى بلغ حمراء الأسد. وهكذا روى ابن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة ابن الزبير سواء. وقال محمد بن إسحاق في مغازيه: وكان يوم أحد يوم السبت النصف من شوال فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال أذّن مؤذن رسول الله ﷺ في الناس بطلب العدوّ وأذّن مؤذنه ألاّ يخرجنّ أحد إلا من حضر يومنا بالأمس، فكلمه جابر بن عبد الله فأذن له. قال ابن إسحاق: وإنما خرج رسول الله ﷺ مرهبا للعدوّ ليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وأن الّذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوّهم. قال ابن إسحاق ﵀:
فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبى السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من بنى عبد الأشهل قال: شهدت أحدا أنا وأخ لي فرجعنا جريحين، فلما أذّن مؤذن رسول الله ﷺ بالخروج في طلب العدو قلت لأخى وقال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله ﷺ؟ والله ما لنا من دابة نركبها وما منّا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله ﷺ وكنت أيسر جرحا منه، فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة حتى انتهينا الى ما انتهى اليه المسلمون. قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله ﷺ حتى انتهى الى حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع الى المدينة. قال ابن هشام: وقد كان استعمل على المدينة ابن أم مكتوم.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبى بكر معبد بن أبى معبد الخزاعي وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عيبة رسول الله ﷺ بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها، ومعبد يومئذ مشرك مرّ برسول الله ﷺ وهو مقيم بحمراء الأسد فقال: يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ولوددنا أن الله عافاك فيهم، ثم خرج من عند رسول الله ﷺ بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان ابن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة الى رسول الله ﷺ وأصحابه وقالوا: أصبنا حد أصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنكرّن على بقيتهم فلنفرغن منهم. فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال ويلك ما تقول؟ قال: والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل. قال فو الله لقد أجمعنا الكرّة عليهم لنستأصل شأفتهم، قال فانى أنهاك عن ذلك، والله لقد