للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالزُّهْدُ لَا يَدُلُّ عَلَى صَلَاحٍ، فَإِنَّ بَعْضَ الرهبان قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ الزُّهْدِ مَا لَا يطيقه عمرو ولا كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِهِ. وَقَدْ رُوِّينَا عن إسماعيل بن خالد القعنبي قال: رأيت الحسن بن جَعْفَرٍ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ مَا مَاتَ بَعَبَّادَانَ فَقَالَ لِي: أَيُّوبُ وَيُونُسُ وَابْنُ عَوْنٍ فِي الْجَنَّةِ. قُلْتُ: فَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ؟

قَالَ: فِي النَّارِ. ثُمَّ رَآهُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَيُرْوَى ثَالِثَةً، فيسأله فيقول له مثل ذلك. وقد رئيت له منامات قبيحة، وقد أطال شيخنا في تهذيبه في ترجمته ولخصنا حاصلها في كتابنا التكميل، وأشرنا هَاهُنَا إِلَى نُبَذٍ مِنْ حَالِهِ لِيُعْرَفَ فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

فِيهَا نَدَبَ الْمَنْصُورُ النَّاسَ إِلَى غَزْوِ الدَّيْلَمِ، لِأَنَّهُمْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ خلقا، وأمر أهل الكوفة والبصرة مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَقْدِرُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ فصاعدا فليذهب مَعَ الْجَيْشِ إِلَى الدَّيْلَمِ، فَانْتَدَبَ خَلْقٌ كَثِيرٌ وجم غفير لذلك. وحج بالناس فيها عِيسَى بْنُ مُوسَى نَائِبُ الْكُوفَةِ وَأَعْمَالِهَا. وَفِيهَا توفى حجاج الصواف، وحميد بن رؤبة الطويل، وسليمان بن طرخان التيمي، وقد ذكرناه في التي قبلها، وعمرو بن عبيد في قول، وليث بن أَبِي سُلَيْمٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

فيها سار محمد بن أَبِي الْعَبَّاسِ السَّفَّاحِ عَنْ أَمْرِ عَمِّهِ الْمَنْصُورِ إلى بلاد الديلم ومعه الجيوش من الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطَ وَالْمَوْصِلِ وَالْجَزِيرَةِ. وَفِيهَا قَدِمَ محمد بن جعفر المنصور والمهدي عَلَى أَبِيهِ مِنْ بِلَادِ خُرَاسَانَ وَدَخَلَ بِابْنَةِ عمة رائطة بِنْتِ السَّفَّاحِ بِالْحِيرَةِ. وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ أَبُو جعفر المنصور واستخلف على الحيرة والعسكر خازم بن خزيمة، وولى رباح بن عثمان المزني المدينة وعزل عنها محمد بن خالد القسري، وتلقى الناس أبا جعفر المنصور إلى أثناء طريق مكة في حجه في سنة أربع وأربعين ومائة. وكان في جُمْلَةِ مَنْ تَلَقَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَجْلَسَهُ الْمَنْصُورُ مَعَهُ عَلَى السِّمَاطِ، ثُمَّ جَعَلَ يحادثه بإقبال زائد بحيث إن المنصور اشْتَغَلَ بِذَلِكَ عَنْ عَامَّةِ غَدَائِهِ، وَسَأَلَهُ عَنِ ابنيه إبراهيم ومحمد لم لا جا آنى مَعَ النَّاسِ؟ فَحَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ أَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ صَارَا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ. وَصَدَقَ فِي ذَلِكَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ كَانَ قَدْ بَايَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي أَوَاخِرِ دَوْلَةِ مَرْوَانَ الْحِمَارِ بِالْخِلَافَةِ وَخَلَعَ مَرْوَانَ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ بَايَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْوِيلِ الدَّوْلَةِ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ، فَلَمَّا صَارَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ خَافَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ مِنْهُ خوفا شديدا.

وذلك لأن المنصور توهم منهما أنهما لا بدّ أن يخرجا عليه كما أرادا أن يخرجا على مروان، والّذي توهم منه المنصور وقع فيه، فذهبا هَرَبًا فِي الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ فَصَارَا إِلَى الْيَمَنِ، ثم سارا إلى الهند فاختفيا

<<  <  ج: ص:  >  >>