للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البيت ليس فيه سراج، وإذا هي جالسة بيدها عود تنكت في الأرض به، فقال لها: مالك؟ فقالت الناس بخير، وأنت لو أتيت معاوية فيأمر لنا بخادم ويعطيك شيئا تعيش به، فقال: اللهمّ من أفسد عليّ أهلي فأعم بصره، قال: وكانت أتتها امرأة فقالت لامرأة أبى مسلم: لو كلمت زوجك ليكلم معاوية فيخدمكم ويعطيكم؟ قال: فبينما هذه المرأة في منزلها والسراج مزهر، إذ أنكرت بصرها، فقالت: سراجكم طفئ؟ قالوا: لا، قالت: إن الله أذهب بصرى، فأقبلت كما هي إلى أبى مسلم فلم تزل تناشده وتتلطف إليه، فدعا الله فرد بصرها، ورجعت امرأته على حالها التي كانت عليها * وأما قصة المائدة التي قال الله تعالى: ﴿إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اِتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * * قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشّاهِدِينَ * * قالَ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَاُرْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ * * قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ﴾ وقد ذكرنا في التفسير بسط ذلك واختلاف المفسرين فيها هل نزلت أم لا على قولين، والمشهور عن الجمهور أنها نزلت، واختلفوا فيما كان عليها من الطعام على أقوال، وذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصير، الّذي فتح البلاد المغربية أيام بنى أمية وجد المائدة، ولكن قيل: إنها مائدة سليمان بن داود مرصعة بالجواهر وهي من ذهب فأرسل بها إلى الوليد بن عبد الملك فكانت عنده حتى مات، فتسلمها أخوه سليمان، وقيل: إنها مائدة عيسى * لكن يبعد هذا أن النصارى لا يعرفون المائدة كما قاله غير واحد من العلماء والله أعلم * والمقصود أن المائدة سواء كانت قد نزلت أم لم تنزل (١) وقد كانت موائد رسول الله تمد من السماء وكانوا يسمعون تسبيح الطعام وهو يؤكل بين يديه، وكم قد أشبع من طعام يسير ألوفا ومئات وعشرات ما تعاقبت الأوقات، وما دامت الأرض والسموات * وهذا أبو مسلم الخولانيّ، وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمته من تاريخه أمرا عجيبا وشأنا غريبا، حيث روى من طريق إسحاق بن يحيى الملطي عن الأوزاعي قال: أتى أبا مسلم الخولانيّ نفر من قومه فقالوا: يا أبا مسلم أما تشتاق إلى الحج؟ قال: بلى لو أصبت لي أصحابا، فقالوا: نحن أصحابك، قال: لستم لي بأصحاب، إنما أصحابى قوم لا يريدون الزاد ولا المزاد، فقالوا: سبحان الله، وكيف يسافر أقوام بلا زاد ولا مزاد؟ قال لهم: ألا ترون إلى الطير تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد والله يرزقها؟ وهي لا تبيع ولا تشترى، ولا تحرث ولا تزرع والله يرزقها؟ قال: فقالوا: فأنا نسافر معك، قال: فهبوا على بركة الله تعالى، قال: فغدوا من غوطة دمشق ليس معهم زاد ولا مزاد، فلما انتهوا إلى المنزل قالوا: يا أبا مسلم


(١) كذا والظاهر أن فيه سقطا.

<<  <  ج: ص:  >  >>