طعام لنا وعلف لدوابنا، قال: فقال لهم: نعم، فسجا غير بعيد فيمم مسجد أحجار فصلّى فيه ركعتين، ثم جثى على ركبتيه فقال: إلهي قد تعلم ما أخرجني من منزلي، وإنما خرجت آمرا لك، وقد رأيت البخيل من ولد آدم تنزل به العصابة من الناس فيوسعهم قرى، وإنا أضيافك وزوارك، فأطعمنا، واسقنا، واعلف دوابنا، قال: فأتى بسفرة مدت بين أيديهم، وجيء بجفنة من ثريد، وجيء بقلتين من ماء، وجيء بالعلف لا يدرون من يأتى به، فلم تزل تلك حالهم منذ خرجوا من عند أهاليهم حتى رجعوا، لا يتكلفون زادا ولا مزادا * فهذه حال ولي من هذه الأمة، نزل عليه وعلى أصحابه مائدة كل يوم مرتين مع ما يضاف إليها من الماء والعلوفة لدواب أصحابه، وهذا اعتناء عظيم، وإنما نال ذلك ببركة متابعته لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم * وأما قوله عن عيسى بن مريم ﵇: إنه قال لبني إسرائيل ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ الآية، فهذا شيء يسير على الأنبياء، بل وعلى كثير من الأولياء، وقد قال يوسف الصديق لذينك الفتيين المحبوسين معه: ﴿لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾ الآية. وقد أخبر رسول الله ﷺ بالأخبار الماضية طبق ما وقع وعن الاخبار الحاضرة سواء بسواء كما أخبر عن أكل الأرضة لتلك الصحيفة الظالمة التي كانت بطون قريش قديما كتبتها على مقاطعة بنى هاشم وبنى المطلب حتى يسلموا اليهم رسول الله ﷺ، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة، فأرسل الله الأرضة فأكلتها إلا مواضع اسم الله تعالى، وفي رواية: فأكلت اسم الله منها تنزيها لها أن تكون مع الّذي فيها من الظلم والعدوان، فأخبر بذلك رسول الله ﷺ عمه أبا طالب وهم بالشعب، فخرج إليهم أبو طالب وقال لهم عما أخبرهم به، فقالوا: إن كان كما قال وإلا فسلموه إلينا، فقالوا: نعم، فأنزلوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر عنها رسول الله ﷺ سواء بسواء، فأقلعت بطون قريش عما كانوا عليه لبني هاشم وبنى المطلب، وهدى الله بذلك خلقا كثيرا، وكم له مثلها كما تقدم بسطه وبيانه في مواضع من السيرة وغيرها ولله الحمد والمنة *
وفي يوم بدر لما طلب من العباس عمه فداء ادعى أنه لا مال له، فقال له: فأين المال الّذي دفنته أنت وأم الفضل تحت أسكفة الباب، وقلت لها: إن قتلت فهو للصبية؟ فقال: والله يا رسول الله إن هذا شيء لم يطلع عليه غيري وغير أم الفضل إلا الله ﷿ * وأخبر بموت النجاشي يوم مات وهو بالحبشة، وصلّى عليه، وأخبر عن قتل الأمراء يوم مؤتة واحدا بعد واحد وهو على المنبر وعيناه تذرفان، وأخبر عن الكتاب الّذي أرسل به حاطب بن بلتعة مع شاكر مولى بنى عبد المطلب، وأرسل في طلبها عليا والزبير والمقداد، فوجدوها قد جعلته في عقاصها، وفي رواية في حجزتها، وقد تقدم ذلك في غزوة الفتح، وقال لأميرى كسرى اللذين بعث بهما نائب اليمن لكسرى ليستعلما أمر رسول الله ﷺ: إن ربى قد قتل الليلة ربكما،